في الطريق إلى جبل الزيتون، حيث بستان جثسيماني، ابتدأ السيد المسيح يكشف لتلاميذه ما سوف يحيط بهم من ضعف بعد القبض عليه، وبداية آلامه ومحاكمته تمهيدًا لصلبه.. قال لهم: "كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية" (مت26: 31).
وهنا بدأ بطرس يعترض بثقة زائدة في النفس، وَيَسْتَثْنِي نفسه من بين التلاميذ فقال: "وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبدًا" (مت26: 33).
لم يغضب السيد المسيح من اعتراض بطرس على كلامه، الذي بدا وكأنه لا يريد أن يصدق كلام الرب الذي لا يسقط أبدًا. فالسماء والأرض يزولان ولكن كلامه لا يزول (انظر مت24: 35). بل أجاب السيد المسيح في اتضاع وطول أناة مؤكدًا: "الحق أقول لك إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات" (مت26: 34).
في البداية: لم يرغب السيد المسيح أن يكلّم بطرس عن إنكاره بل تكلّم عن شك التلاميذ إجمالًا. لكن بطرس اعتبر نفسه متفوقًا في محبته للسيد المسيح على جميع التلاميذ وقال: "وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبدًا" (مت26: 33). فاضطر السيد المسيح أن يكشف له ضعفه، وكيف أنه لن يشك فقط، بل سوف ينكره أيضًا.. لا مرة واحدة، بل ثلاث مرات!!
لم يتراجع بطرس أمام كلمات الرب الواضحة.. بل استمر في اعتراضه -وكأن السيد المسيح لا يعرف ما سوف يكون- وقال: "ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك" (مت26: 35).
العجيب أن كلام بطرس قد تسبب في أن باقي التلاميذ قد كرروا نفس الكلمات "هكذا قال أيضًا جميع التلاميذ" (مت26: 35).
ربما يغضب أي معلم عادي من اعتراض أحد تلاميذه على كلام هو واثق منه كل الثقة.. ولكن السيد المسيح صمت ولم يغضب، حتى وإن بدا أن بطرس لا يريد تصديق كلامه.. وحتى إن اعترض هو وباقي التلاميذ على كلامه علانية.
كان السيد المسيح يحب بطرس ويحب سائر التلاميذ، ويعرف ضعف البشر، وقد جاء ليحرر الذين قبلوه من ضعفهم، حاملًا خطاياهم محتملاً لجهالتهم..
لهذا اكتفى السيد المسيح بما قيل.. وترك لبطرس والتلاميذ أن يكتشفوا الحقيقة في أوانها.. ترك الباب مفتوحًا لبطرس لكي يخرج خارجا ويبكي بكاءً مرًا (انظر مت26: 75) حينما يكتشف صدق ما سبق وقاله السيد المسيح. لم يكن الوقت مناسبًا للغضب أو التأديب، لأن قلوب التلاميذ كانت قد تثقلت بأحزان الصليب.
ربما يحتج البعض بأن ما دفع بطرس والتلاميذ إلى الاعتراض على كلام السيد المسيح، هو رغبتهم في التعبير عن شدة محبتهم، وعدم تصورهم أن تصدر منهم هذه الأمور المخجلة. ولكن مهما كان الدافع.. فلم يكن من الصواب إطلاقاً، أن يعترضوا بشدة على ما يقوله السيد المسيح منبهًا إياهم بما سوف يحدث بروح اليقين. لم يحدث إطلاقاً أن أخبرهم السيد المسيح عن أمر ولم يتحقق. ولم يحدث إطلاقاً أن وعدهم بشيء ولم ينفذ وعده.
أليس هو الذي قال عن موت لعازر: "لعازر حبيبنا قد نام. لكني أذهب لأوقظه" (يو11: 11)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقال أيضًا: "وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا" (يو11: 15). وبالفعل ذهب إلى بيت عنيا وأقام لعازر بسلطان لاهوته من بعد موت لعازر بأربعة أيام.. لم يكن هناك عذر لبطرس ولباقي التلاميذ أن لا يصدقوا ما قاله السيد المسيح، وأن يعبّروا عن اعتراضهم علانية بهذه الصورة.. بل كان الأليق بهم أن يتأمل كل واحد منهم ضعفه.. وَتَرِن كلمات السيد المسيح في داخله، فيصرخ إلى الرب طالبًا المعونة لئلا تفني التجربة إيمانه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/way.html
تقصير الرابط:
tak.la/gcbaaf2