بعد أن تكلم السيد المسيح عن محبة الأعداء والإحسان إلى المبغضين والصلاة من أجل المسيئين قال: "لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات. فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم، أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك. وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل تصنعون أليس العشارون أيضًا يفعلون هكذا. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت5: 45-48).
يقول معلمنا يوحنا الرسول: "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1يو3: 1).
إنه شرف عظيم إذ ارتضى الله أن ندعى أولادًا له:
أولًا: لأننا كنا ساقطين في الخطية وفي قبضة الموت والهلاك الأبدي، وقد افتدانا بنعمته.
وثانيًا: لأننا نحن خليقة الله، والبنوة هنا ليست بالجوهر والطبيعة، بل بالتبني. فما أعظم الفارق بين الخالق والمخلوق.. ولولا أن الله في خيريته وصلاحه قد أعطانا نعمة الوجود، لما كنا موجودين على الإطلاق.
هذه البنوة التي أنعم الله بها علينا هي تعبير عن محبته الفائقة الوصف والمعرفة. ومن واجبنا أن نقدّرها حق قدرها.
هذه البنوة الفائقة التي لا يمكن وصفها تستدعي مِن جانبنا سلوكًا يتناسب مع كرامتها لئلا نحسب غير مستحقين لها لسبب تقصيرنا وإهمالنا وعدم مبالاتنا.
العبارة التي نطق بها السيد المسيح هي دعوة لنا لننتبه إلى قيمة البنوة لله "لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" (مت5: 16).
وقد سبق أن كرر السيد المسيح هذا المعنى في موعظته على الجبل حينما قال: "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت5: 16).
وقد عبر القديس بولس الرسول عن هذه الحقائق في أنشودة جميلة في فاتحة رسالته إلى أهل أفسس فقال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب" (أف1: 3-6).
لقد اختارنا الله الآب في المسيح قبل تأسيس العالم، وسبق فعيننا للتبني، لمدح مجد نعمته.
فمن الواضح في كلام القديس بولس الرسول أن الاختيار الإلهي والتعيين للتبني بسابق علم الله قبل تأسيس العالم هو: أولًا: في المسيح. وثانيًا: لمدح مجد نعمته.
فالهدف من الاختيار السابق والتعيين للتبني هو لمجد الله.
وعاد القديس بولس يؤكد هذه الحقيقة في نفس الرسالة بقوله: "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدّها لكي نسلك فيها" (أف2: 10).
عبارة "لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" معناها أننا إن أردنا أن نثبت في نعمة البنوة، ينبغي علينا أن نحفظ هذه الوصايا السامية في محبة الأعداء، والإحسان إلى المبغضين، والصلاة من أجل المسيئين. هذه الوصايا كما ذكرنا قبلًا هي أمور فائقة للطبيعة العادية لسائر البشر العاديين، ولكنها ممكنة جدًا بل ولازمة وضرورية بالنسبة لأولاد الله، وهي السمة التي تميزهم وبدونها لا يكونوا قد حققوا قصد الله من وجودهم لتمجيده ولمدح مجد نعمته.
تلاميذ المسيح لا يعرفون الكراهية ولا التعصب. لذلك يقدمون الخير للجميع متشبهين بأبيهم السماوي. وقد أراد السيد المسيح أن يوضح أن الآب السماوي لا يقدّم الخير للناس بحسب قداستهم، ولكن بحسب خيريته ورغبته في إعلان أبوته للجميع.
الكل يتمتعون بخيرات الله، حتى الذين يجدفون عليه، والذين ينكرون وجوده.. وهو يفعل هذا بطول أناته العجيب لعله يقتادهم إلى التوبة وإلى معرفته والرجوع إليه لأنه "يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى2: 4).
إن الله لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع وتحيا نفسه، كما قال الرب: "هل مسرة أسر بموت الشرير يقول السيد الرب. ألا برجوعه عن طرقه فيحيا" (حز18: 23). ولهذا يمنح الخيرات للأشرار لعله يخجلهم بصلاحه ومحبته فيتوبون. ولكن إن لم يرجعوا ويتوبوا فإن الخير الذي منحه لهم الله سوف يكون سبب دينونته لهم فيما بعد.
وقد دعانا السيد المسيح أن نتمثل بالآب في منح الخير والعطايا للجميع.. حتى الأشرار ولكن طبعًا هذا لا يتضمن الأمور المقدسة الخاصة بالحياة الأبدية مثل التناول من جسد الرب ودمه، فهذا لا يجوز إلا للتائبين إذ هو عربون الأبدية. أما باقي الأمور الخاصة بالحياة الدنيوية فلا ينبغي أن نفرق فيها بين إنسان وآخر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/sons.html
تقصير الرابط:
tak.la/n6vqy2a