قال السيد المسيح: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم. ومن قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع. ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (مت5: 21، 22).
لم يعد القتل في شريعة الكمال هو القتل المادي المحسوس فقط، بل امتد إلى القتل الأدبي والمعنوي. وكذلك القتل الجزئي. وقد شرح قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته- ذلك بالتفصيل حينما تكلم عن وصية لا تقتل في تفسيره للوصايا العشر. وجاء شرح قداسة البابا بصورة عميقة جدًا في مفهوم الوصايا وأبعادها كقول المرنم: "لكل تمام رأيت منتهى، أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز 119: 96).
يقول الكتاب في العهد الجديد "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" (1يو3: 15).
البغضة والكراهية لا تتفق مع نقاوة القلب "والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب12: 14).
والبغضة تقود إلى الغضب، أما المحبة فتقود إلى الوئام. لذلك قال السيد المسيح: "من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم".
هناك غضب مقدس لازم وضروري في مواجهة الشرور داخل الكنيسة. له وقته ولا ينبغي أن يستخدم لغير ضرورة حقيقية وبالدرجة التي تتناسب مع ذنب المخطئ. لكي يشعر بخطئه إن لم ينفع معه النصح الهادئ.
وهذا النوع من الغضب قد يكون بالتوبيخ الممتزج بالمحبة، أو بالتأديب المباشر أو غير المباشر. وله أساليبه التي تتوشح بالحكمة والوداعة والتصرف الحسن.
ليس عن الغضب المقدس تكلّم السيد المسيح، بل عن الغضب الباطل أي الذي ليس من صاحب سلطان، أو ليس له ما يبرره، وليس بهدف وأسلوب صالح مقدس.
الغضب الباطل بأساليبه المتنوعة، هو نوع من القتل الجزئي أو الأدبي أو المعنوي.
ويزداد الأمر سوءًا إن اقترن هذا الغضب بالتجريح أو الشتيمة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأن القتل الأدبي والمعنوي في هذه الحالة يكون أشد تأثيرًا في نفسية المغضوب عليه.
قد يستغل الإنسان سلطته أو قدرته أو سطوته، ويهاجم الآخرين موجهًا إليهم الإهانات. وهو بهذا يكون مستوجبًا للحكم أو المجمع أو قد يصل الأمر إلى نار جهنم التي يكون مستحقًا لها إذا قال لأخيه "يا أحمق".
لم يسمح السيد المسيح بأن يهان الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. وارتفع بقيمة الإنسان جدًا. وأوضح أن كل ما هو ضد المحبة فهو ضد الله لأن "الله محبة"، ولذلك فإن مجرد كلمة "رقا"التي تدل على عدم الاحترام ولم ترقَ إلى مستوى الشتيمة فقد نهي عنها السيد المسيح وقال: "من قال لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع" (مت5: 22).
جاء السيد المسيح ليعالج الخطية من جذورها. من الداخل. فالقتل هو النتيجة النهائية للغضب والسخط والمشاحنات والكراهية.
لذلك لا يكفى أن يمتنع الإنسان عن القتل المنظور، ولكن ينبغي أن يسلك في المحبة، ويبتعد عن القتل غير المنظور.
لا يكفي حتى أن يبتعد عن العنف الخارجي، بل ينبغي أن يبتعد عن العنف الداخلي مثل الغيظ المكتوم والحقد والرغبة في الانتقام أو التشفي.
إن الوصية الأولى والعظمى عند الله هي محبة الله من كل القلب، والوصية الثانية مثلها محبة القريب كالنفس. وقال السيد المسيح بهذا يكمل الناموس والأنبياء.
كانت وصايا اللوح الأول من لوحيّ الوصايا العشر هي وصايا محبة الله.
وكانت وصايا اللوح الثاني هي وصايا محبة القريب.
المجموعة الأولى عددها أربعة لأنها تشير إلى عرش الله يحمله الأربعة أحياء غير المتجسدين. وتشير إلى الصليب بأذرعه الأربعة باعتباره العرش.
والمجموعة الثانية عددها ستة لأنها تشير إلى كمال العمل، وإلى أن السيد المسيح قد صلب في اليوم السادس وفي الساعة السادسة ليظهر لنا كيف تكون المحبة.
وحينما نسلك في محبة الله الذي افتدانا، ونتشبه به ونحب القريب، بهذا تكمل المحبة.
فبإجماع الوصايا الأربع مع الوصايا الست يكمل العدد عشرة، أي نصل إلى الكمال العددي الذي يشير إلى كمال الوصية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/kill.html
تقصير الرابط:
tak.la/w88jtxz