St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   christ
 
St-Takla.org  >   books  >   anba-bishoy  >   christ

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي (مع حياة وخدمة يسوع) - الأنبا بيشوي

40- التعليم عن الوداعة وعدم مقاومة الشر في خدمة السيد المسيح

 

 قيل عن السيد المسيح بفم إشعياء النبي: "هوذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سرت به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق، لا يخاصم، ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ. حتى يُخرج الحق إلى النصرة، وعلى اسمه يكون رجاء الأمم" (مت12: 18-21).

 

لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته.

المقصود بالخصام هنا، الجدال المصحوب بالغضب، والصياح، والكراهية، والكلمات الجارحة، والذي يؤدي إلى العداوة المتبادلة.

لهذا أوصى معلمنا بولس الرسول: "فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان، رافعين أيادي طاهرة، بدون غضب ولا جدال" (1تى2: 8).

كان السيد المسيح يدافع عن الحق في وداعة عجيبة. لم يكن يهدد أو يتوعد، بل كان يثق في قوة الحق في ذاته.. لأن الحق يهدر مثل الرعد في قلوب المقاومين.

وقد واجه السيد المسيح مواقف كثيرة تدعو إلى الغضب، واحتمل الكثير من الإهانات. ولكنه كان يواجهها بالاحتمال، ويجاوب بطريقة الإقناع الهادئ، كما ذكرنا من قبل عن أسلوبه في الحوار.

كان السيد المسيح يدعو تلاميذه أن يتعلموا من أسلوبه هذا ويقول لهم: "احملوا نيري عليكم، وتعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29).

وبنفس هذه الروح أوصى بولس الرسول تلميذه الأسقف تيموثاوس أن يتجنب الخصومات في دفاعه عن الحق فقال: "والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها، عالمًا أنها تولد خصومات. وعبد الرب لا يجب أن يخاصم، بل يكون مترفقًا بالجميع، صالحًا للتعليم. صبورًا على المشقات. مؤدِّبًا بالوداعة المقاومين، عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا من فخ إبليس. إذ قد اقتنصهم لإرادته" (2تى2: 23-26).

بالطبع يجب أن يدافع الأسقف عن الحق، ويجب أن يؤدِّب المقاومين، ويجب أن يعزل العضو الفاسد، لئلا يؤثر على بقية الأعضاء. لأن "خميرة صغيرة تخمر العجين كله" (1كو5: 6).

ولكن ما صنعه السيد المسيح، وما أوضحه بولس الرسول، هو أن أسلوب الدفاع، وأسلوب التأديب، ينبغي أن يكون في إطار الوداعة، وبروح الاتضاع التي تليق بالراعي.

الصراع الحقيقي هو مع إبليس، وليس مع الخطاة، أو مع المقاومين. والراعي الحكيم يهدف إلى تخليص الذين اصطادهم إبليس لإرادته. وهذا لا يتم بالدخول في عداوة مع من يرغب الراعي في تخليصهم.. بل بترفقه بهم، وصلاته من أجلهم، ومحاولته إقناعهم، وأحيانًا بتأديبه لهم بروح الوداعة. كما لا يجب التفريط في باقي الرعية، وحمايتهم من التأثير الضار.

أسلوب الصياح والتهديد والدخول في المعارك الكلامية الصاخبة، لا يتناسب مع اتضاع السيد المسيح كخادم للخلاص.

St-Takla.org Image: Sin VS Sinner, Sin is using the sinner صورة في موقع الأنبا تكلا: الخطية والخاطي، الخطيئة تستعمل الخاطئ وتستعبده

St-Takla.org Image: Sin VS Sinner, Sin is using the sinner.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الخطية والخاطي، الخطيئة تستعمل الخاطئ وتستعبده.

لهذا قيل عنه "لا يخاصم، ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته" (مت12: 19).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

"قصبة مرضوضة لا يقصف" (مت12: 20)

 بترفقه بالخطاة، وبترفقه بالمقاومين، كان يطيل أناته عليهم، لعله يقتادهم إلى التوبة.

لهذا قيل عنه "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ، حتى يُخرج الحق إلى النصرة" (مت12: 20).

كم من نفوس خلّصها السيد المسيح بترفقه وطول أناته، مثل زكا العشار، والمرأة السامرية، واللص اليمين، ومثل قائد المئة الذي صلب السيد المسيح، والذي اعترف بألوهيته بعد الصلب مباشرة بقوله: "حقا كان هذا الإنسان ابن الله" (مر15: 39). وكثيرون غيرهم ممن ذكرت أسماؤهم في الأناجيل أو كانوا في وسط الجموع الصاخبة التي صرخت: اصلبه اصلبه..

هذه الفتائل المدخنة هذه القصبات المرضوضة كان السبب في وصولها إلى معرفة الحق أو في تحررها من سلطان الخطية، هو وداعة السيد المسيح واتضاعه في خدمته لها.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

عدم مقاومة الشر

 قال السيد المسيح: "لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضًا" (مت5: 39)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقال: "من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا" (مت5: 40)، وليس المقصود بكلمة لا تقاوموا الشر أن لا نقاوم الخطية فالكتاب يقول: "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع4: 7)، فمقاومة الشر بمعنى مقاومة الخطية.. ليس هو ما قصده السيد المسيح بقوله لا تقاوموا الشر، بل كان يقصد بالشر المشاجرة والعدوان مع الآخرين. وقد قال الكتاب أيضًا: "إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه، لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير" (رو12: 20، 21). والرب يجازيك لأنه مكتوب: "لي النقمة أنا أجازي يقول الرب" (رو12: 19).

ويدعونا أيضًا بطرس الرسول أن نتشبه بالسيد المسيح "الذي إذ شُتِم لم يكن يَشتم عوضًا وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل" (1بط2: 23). عندما شُتِم السيد المسيح لم يكن يَشتم عوضًا بل سلّم لله الآب. ونتيجة لذلك عندما قام من الأموات كل الذين شتموه صاروا في خزي وخجل. لأن الذي شتموه قد انتصر على الموت، والذي قالوا عنه أنه مجدِّف ومضل أُعلن لهم أنه هو رئيس الحياة وقدوس القديسين، من خلال انتصاره على الموت وقيامته المجيدة.. فالذي شَتَم هو الذي صار مخزيًا وليس الذي شُتِم.

وبهذا قدّم لنا السيد المسيح تطبيقًا عمليًا في حياته لِما علّم به تلاميذه والجموع.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اغلب بالمحبة وروح الوداعة

 لقد احتمل السيد المسيح الخزي في لحظات الآلام والصلب، لكن بعد هذا تحول كل ذلك إلى مجد.. فعندما قال السيد المسيح: "لا تقاوموا الشر"كان يعلم أن هذا الكلام هو من أجل منفعتنا. لأن من يقاوم الشر فالشر يؤذيه.. وعندما قال السيد المسيح: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم" (مت5: 44) كان يقصد أننا نغلب أعداءنا بالمحبة، لأن الذي يغلب عدوك هو محبتك أكثر من عداوتك وكراهيتك.

الإنسان الذي يستخدم العنف هو إنسان لا يستحق أن يكون مسيحيًا. بل تكون نتيجة عنفه؛ أذيته هو أكثر مما يستطيع أن يؤذي غيره. فالعنف لا يعطيه نصرة أو مجد كما يتصور إنما يسبب له أذية أكثر مما يتوقع. فوصايا السيد المسيح ليست لتقييدنا كما يفتكر البعض، أو يقول أن الوصية صعبة. لكن الحقيقة أن السيد المسيح يسعى لأجل منفعتنا، لأنك إن فعلت ذلك ينجيك من الشر الذي يمكن أن يؤذي روحك.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اغلب الشر بالخير

 "لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير" (رو12: 21)، فإذا قدّمت محبة للذي يخاصمك، تغلبه بمحبتك وتكون أنت الذي انتصرت. لكن بدلًا من أن تنتصر بقوة السلاح تنتصر بقوة الخير وقوة الحب الساكن فيك. وإذ يأمرنا السيد المسيح بهذا لا يدعونا أن نكون جبناء أو أن نخاف، فهو الذي قال: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر" (لو12: 4 وهو الذي شجّع أولاده أن يصيروا شهداء كالشهيدة دميانة والأربعين عذراء.. أين الجبن هنا؟!

الإنسان المسيحي مستعد أن يواجه الأباطرة والحكام وينال إكليل الشهادة إذا طُلب منه أن يتنازل عن مسيحيته، كما طُلب من القديسة دميانة أن تبخر للأصنام أو تسجد لها ولكنها دفعت والدها مرقس وإلى البرلس إلى أن يصير شهيدًا، بل وصارت هي أيضًا أميرة بين الشهيدات.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مفهوم الشجاعة في المسيحية

 المسيحية لا تدعو الإنسان إلى الخوف، أو إلى الجبن، بل تدعوه أن يكون قويًا شجاعًا، ولكن الشجاعة ليست أن يحمل سلاحًا، ولا يطمئن لشيء يحميه إلا السلاح. فيبدو في الظاهر أنه شجاع لكنه في الحقيقة من الداخل لا يجد سلامًا أو طمأنينة.

أما القديسون فيشعرون دائمًا بعدم خوف.. لماذا؟ لأن "ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مز34: 7). الإنسان القديس أو الإنسان المؤمن، بل الإنسان المسيحي الحقيقي، يشعر أن الملائكة تحرسه، ويشعر أن أرواح القديسين تحرسه وتشفع من أجله. فيشعر بالطمأنينة ويصدّق كلمات السيد المسيح الذي قال: "بل شعور رؤوسكم أيضًا جميعها محصاة" (لو12: 7)، و"شعرة من رؤوسكم لا تهلك" (لو21: 18)، بذلك يشعر أنه ليس بحاجة إلى أن يرخِّص سلاحًا كي يحميه. فاستخدام السلاح هو إلقاء وقود على النار، بينما الكتاب المقدس يقول "لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير" (رو12: 21).. أفضل سلاح تستخدمه هو سلاح المحبة، سلاح الوداعة.. السيد المسيح قال: "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض" (مت5: 5).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الودعاء يرثون الأرض

 ما معنى أنهم يرثون الأرض؟ الإنسان الوديع يكون محبوبًا من جيرانه، ومحبوبًا من أهله وبحبه هذا يستطيع أن يرث الأرض، لأن كل الناس صاروا مِلكًا له. وإذ يحبه الناس يصيرون مِلكًا له أي يملك على قلوبهم، فأنت تملك جارك وتملك بيته وتملك حقله وتملك كل شيء فيه.. وكيف ذلك؟ لأنه يحبك وإذا أحبك فأنت تملك كل شيء.. البغضة تجعل الإنسان منبوذًا مكروهًا غير مرغوب فيه. هكذا فإن كل من يكره يخسر، بينما ينجح كل من يحب.

أعظم سلاح يستخدمه الإنسان لكي يغلب عدوه هو سلاح الحب وليس سلاح الكراهية.. ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [أفضل وسيلة تتخلص فيها من عدوك هي أن تحول هذا العدو إلى صديق] وبذلك تكون قد تخلّصت منه -ليس بالقضاء عليه، أو بقتله، أو أذيته- لكن تخلّصت منه كعدو إذ حولته إلى صديق، وصار هذا الصديق يحبك فلم يعد عدوًا على الإطلاق. كما أنك تكون قد كسبت صديقًا جديدًا وهكذا يتزايد عدد الذين يحبونك.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/humble.html

تقصير الرابط:
tak.la/2ph2f7p