حينما اقتربت ساعة الصلب، بدأ السيد المسيح يكلّم تلاميذه عن أسرار عجيبة، ربما لم يكلمهم عنها من قبل. ولكن في الوقت نفسه أشار إلى أيام آتية، يكشف لهم فيها مزيدًا من الأسرار الإلهية.
قال السيد المسيح: "قد كلمتكم بهذا بأمثال، ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضًا بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية. في ذلك اليوم تطلبون باسمي. ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم. لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني. وآمنتم أني من عند الله خرجت" (يو16: 25-27).
أراد السيد المسيح أن يشرح لتلاميذه كيف يسعى لإيجاد علاقة مباشرة بينهم وبين الآب. هذه العلاقة المباشرة لم يكن من الممكن أن توجد بدون الفداء، وإتمام المصالحة بين الإنسان والله. وتمتع الإنسان بنعمة الولادة الجديدة والبنوة لله في المعمودية.
قبيل الصليب كان السيد المسيح منشغلًا بالعلاقة بين الله الآب والإنسان الذي تغرب عنه زمنًا طويلًا.
وبدأ بكلامه يمنح التلاميذ تشوقًا لكي يتطلعوا نحو تلك الساعة، أو ذلك اليوم الذي يكلمهم فيه عن الآب علانية، بعد إتمام الفداء. ولكي يتطلعوا نحو ذلك اليوم الذي يطلبون فيه من الآب بدالة حقيقية.
أليس هذا ما نصلي به في القداس الإلهي في صلوات القسمة إذ نقول (لكي بقلب طاهر، ووجه غير مخزي، وإيمان بلا رياء، ومحبة كاملة.. نجرؤ بدالة بغير خوف، أن نصرخ نحوك أيها الآب القدوس الذي في السماوات، ونقول: أبانا الذي في السماوات..).
منتهى الحب ومنتهى الاتضاع أن يقول السيد المسيح لتلاميذه "في ذلك اليوم تطلبون باسمي. ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم" (يو16: 26). كان مسرورًا جدًا بإيجاد علاقة مباشرة بين تلاميذه وبين الآب. ولهذا استهان بكل ما كان ينتظره من آلام وخزي، في سبيل تحقيق هذا الغرض النبيل.
حينما يصطلح الإنسان مع الآب بالتوبة وبدم السيد المسيح، تصير له الدالة أن يتخاطب مع الآب مباشرة. لذلك قال السيد المسيح: "لست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم" (يو16: 26).
ولكن "إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا" (1يو2: 1، 2).
غفران الخطية لا يتم إلا بشفاعة السيد المسيح الكفارية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا لا يمكن للإنسان أن يأتي إلى الآب إلا بالمسيح. والمسيح هو الذي يطلب من أجل مغفرة خطاياه..
أما باقي الطلبات التي تتبع المصالحة مع الآب وتترتب عليها، فمن الممكن أن يقدمها الإنسان للآب مباشرة باسم السيد المسيح.
شرح السيد المسيح ذلك بقوله: "لأن الآب نفسه يحبكم. لأنكم قد أحببتموني. وآمنتم أني من عند الله خرجت" (يو16: 27).
محبة الله لنا تتحقق بمحبتنا للسيد المسيح وإيماننا به. هذا هو دليل قبولنا لمحبته ودخولنا إلى شركة الحب معه.
لهذا قال يوحنا المعمدان: "الآب يحب الابن، وقد دفع كل شيء في يده. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية" (يو3: 35، 36).
وقال يوحنا الإنجيلي: "من اعترف أن يسوع هو ابن الله، فالله يثبت فيه وهو في الله. ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا. الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يو4: 15، 16).
وعن محبتنا لابن الله قال: "كل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضًا" (1يو5: 1).
جاء السيد المسيح لكي ينقل إلينا الحب الكائن بين الآب والابن منذ الأزل، أي الحب الكائن بين أقانيم الثالوث الآب والابن والروح القدس.
ولهذا قال في مناجاته للآب قبل الصليب: "أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك. أما أنا فعرفتك. وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو17: 25، 26).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/himself.html
تقصير الرابط:
tak.la/3x77s4k