كان لا بُد للظلمة أن تأخذ فرصتها، وأن تصل إلى أبعد المدى في غيّها.
وهذه طبيعة الظلمة، أنها لابد أن تأخذ فرصتها كاملة، لكي يظهر النور ويشعر الناس بقيمته وتأثيره، كقول الشاعر (بضدّها تتمايز الأشياء)..
ونعود بأفكارنا إلى بداية الخليقة، حينما "كانت الأرض خربة.. وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارًا والظلمة دعاها ليلًا" (تك1: 2-5).
لماذا فصل الله بين النور والظلمة؟ لأنه "أية شركة للنور مع الظلمة؟" (2كو6: 14).
لا يمكن أن تقوم شركة بين الخير والشر، بين البر والخطية، بين أولاد الله وأولاد إبليس، بين الحق والباطل، بين المحبة والكراهية، بين الاستقامة والاعوجاج أو النفاق..
فمنذ البداية أظهر الله أنه يحب النور، لأنه هو نور وساكن في النور، وملائكة نور تخدمه.
لهذا نرنم ونقول: "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات" (تسبحة نصف الليل). ويقول المرنم "بنورك نرى نورًا" (مز36: 9). وقيل عن الرب "اللابس النور كثوب" (مز104: 2).
ويقول الكتاب "كل ما أظهر فهو نور" (أف5: 13). ويقول السيد المسيح: "سيروا (في النور) مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام" (يو12: 35). وقال: "أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة" (يو8: 12). ويقول معلمنا بطرس الرسول: "لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب" (1بط2: 9). وقال أيضًا: "عندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم" (2بط1: 19)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقيل عن السيد المسيح "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم" (يو1: 9).
أما الشيطان فهو رئيس مملكة الظلمة، ومن يتبعه يمشي في الظلمة، هو وملائكته الأشرار مكتوب عنهم: "في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم، وسلمهم محروسين للقضاء" (2بط2: 4).
لهذا فالمقصود بسلطان الظلمة، أي الأوقات التي يمارس فيها الشيطان رغباته الشريرة، ويتركه الله إلى حين ليكشف خداعه، حتى ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح المنير مبددًا كل ظلمات الخطية ومظالمها.
ولكن الشيطان يستطيع أن "يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2كو11: 14). ولهذا ربما ينسب إلى نفسه أنه هو الذي يحمل الحق أو يدافع عنه، ولكن الحق يكشفه في قلب كل من يحب الحق ويسعى في طلبه، وقد حذّر الكتاب من الذين يقلبون الحقائق وقال "ويل للقائلين للشر خيرًا، وللخير شرًا، الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا، الجاعلين المر حلوًا والحلو مرًا" (إش5: 20).
وقد احتمل السيد المسيح ظلم الأشرار وساعتهم وسلطان الظلمة، في صبر واتضاع عجيبين. فهو "الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل. الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر، الذي بجلدته شفيتم. لأنكم كنتم كخرافٍ ضالة لكنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها" (1بط2: 23-25).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/darkness.html
تقصير الرابط:
tak.la/fatfya8