وبعد أن اعتذرت وبمنتهى الأدب والاتضاع, بدأت تنصحه وتفهمه غلطته, فليس من الخطأ أن ينصح إنسان غيره حتى لو كان أكبر منه في المركز أو في المقام, بل بالعكس من واجب الإنسان الحكيم أن يعمل هكذا، فيجب تقديم النصيحة في قالب من المحبة وفي قالب من الاتضاع والاحترام لتصير مقبولة, كما يقول الكتاب "تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ في مَحَلِّهَا" (أم25: 11) الكلمة التي تقال بطريقة سليمة, في الموقف المضبوط الذي يناسبها.
قالت له: "وَالآنَ يَا سَيِّدِي حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ وَحَيَّةٌ هِيَ نَفْسُكَ إِنَّ الرَّبَّ قَدْ مَنَعَكَ عَنْ إِتْيَانِ الدِّمَاءِ وَانْتِقَامِ يَدِكَ لِنَفْسِكَ، وَالآنَ فَلِيَكُنْ كَنَابَالَ أَعْدَاؤُكَ والَّذِينَ يَطْلُبُونَ الشَّرَّ لِسَيِّدِي" (1صم25: 26).
ثم قالت: أنت يا سيدي الملك الله يحبك, وعلامة محبته لك إنه جعلك لا تنتقم لنفسك, أوقفك في الوقت المناسب قبل أن تأتى الدماء وترجع لتندم وتقول ليتنى لم أغضب أو أثور، وخصوصًا أن هؤلاء الغلمان وباقي غلمان نابال ربما بينهم أناس أبرياء في هذا الأمر، ومن ضمن الأبرياء أنا نفسي لأنني لم أعلم "أَنَّهُ لاَ تَكُونُ لَكَ هَذِهِ مَصْدَمَةً وَمَعْثَرَةَ قَلْبٍ لِسَيِّدِي أَنَّكَ قَدْ سَفَكْتَ دَمًا عَفْوًا, أَوْ أَنَّ سَيِّدِي قَدِ انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ. وَإِذَا أَحْسَنَ الرَّبُّ إِلَى سَيِّدِي فَاذْكُرْ أَمَتَكَ»" (1صم25: 31).
بالتأكيد كان ضمير داود سيبكّته لو قتل الجميع؛ لأنه سيقول وإن كان نابال قد أخطأ، فما ذنب الغلمان وما ذنب امرأته التقية المؤدبة الحكيمة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. هكذا أخذت أبيجايل تكشف لداود الحقيقة التي كانت مخفية عن ناظريه. لكنها كشفتها له بطريقة مؤدبة ليس فيها استفزاز أو جرح لكرامته. بل بعد الاعتذار صارت تقول له إن من محبة الرب لك أن يمنعك من أن تعمل هكذا.
هذا الحديث الذي كلما أقرأه أقف مذهولًا قدام الكلام الذي قالته هذه المرأة الحكيمة. حي هو الرب وحية هي نفسك, إن الرب قد منعك عن إتيان الدماء, وانتقام يدك لنفسك. إذا كنت تقتل لكي تنتقم لكرامتك سوف تتعب وتثقل ضميرك، ليكن كنابال أعداؤك والذين يطلبون الشر لسيدي.
قالت له ما معناه: كان شاول الملك يريد أن يقتلك ولكنك لم تصنع به شرًا، ولم تحاول أن تقتله. ولم تَرِد إساءته بإساءة مثلها لكن قدمت له المحبة، فكما صنعت مع أعدائك كلهم ليكن نابال واحدًا منهم يا سيدي وكل الذين يطلبون الشر لسيدي. إن كان نابال قد جرح كرامتك وأنكر خدمتك ومكانتك لكن هناك غيره من كان يريد أن يقتلك، فكان بالأولى أن تنتقم منه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/abigail/apple.html
تقصير الرابط:
tak.la/d32vpjj