. بالرغم من أن المسيحية لا تدعو إلى نوع معين من الحكم ولا تتدخل في الأمور المدنية والسياسية لأنها تستطيع أن تحيا داخل نظم ملكية وجمهورية وتنتشر تحت سطوة الظلم والاضطهاد من الحكومات كما حدث في القرون الثلاث الأولى ولكنها تعلم عن الطبيعية السليمة والأهداف الحقيقية للحكومات وتوضح واجبات الحكام والرؤساء وتبارك على إلغاء القوانين والمؤسسات السيئة وتسر لإيجاد الصالح منها. فالمَسيحية تميل وتتجه في كل نظام نحو العدالة والانسانية والسلام والخير والنظام. انها تملأ الحاكم بحاسة المسئولية إلى أعلى درجة ممكنة كما تعبئ المحكومين بروح الولاء والفضيلة والإخلاص، هي لا تتدخل في الأنظمة والمؤسسات والهيئات الحاكمة ولكنها تغير العالم من خلال أخلاق أبنائها وروحهم وجهادهم ونضالهم البطولي.. ليس للكنيسة الأرثوذكسية أن تكون منظمة اجتماعية أو سياسية لأن هذه هي أمور قیصر وهي مطالبة أن تعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. وإذا كان الفكر الكاثوليكي يوافق على الاتجاه الفاتيكاني، فان الفكر الإرثوذكسي يحرص علىى علمانية الدولة وعدم فرض وصاية دينية من الكنيسة على أية هيئة حاكمة.
ولكن الكنيسة التي تصلي من أجل الفقير واليتيم والضعيف والغريب تنحاز إلى المظلوم والعامل والفلاح وتصرخ في وجه الأغنياء الإقطاعيين والرأسماليين الاستغلاليين مرددة مع يعقوب الرسول "أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ! قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ، الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَيْ رَبِّ الْجُنُودِ. قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي يَوْمِ الذَّبْحِ" (يع 5: 1-5).
والكنيسة التي تصلي في أواشِيها من أجل الحكام تشجع أولادها على اتخاذ مواقف ايجابية مع كل حاكم تقدمي ومع مطالب كل الشعب طالما تتجه نحو العدالة والخير والسلام فما كانت الارثوذكسية السليمة مخدرًا ولا ترضى لنفسها أن تكون تغطية لأسوأ الأنانيات وإن القديس يوحنا ذهبي الفم بطريَرك القسطنطينية وأحد معلمی الأرثوذكسية يعتبر نفسه ممثل بروليتارية Proletariat مدينته واستخدم منبره للاحتجاج ضد المظالم الاجتماعية وكان يخاطب أغنياء عصره. بينما كلبك متخم يهلك المسيح جوعا، إنك تحترم هذا المذيح حينما ينزل إليه جسم المسيح ولكنك تهمل وتبقي غير مبال حينها يفني ذاك الذي هو جسم المسيح، ماذا ينفع تزين مائدة المسيح بأوان ذهبية إذا كان هو نفسه يموت جوعًا. فأشبِعه أولًا حينما يكون جانعًا، وتنظر فيما بعد في أمر تجميل مائدته بالنوافل.
أن مؤمنين كثيرين يبدون نفورًا من أية علاقة بالحياة السياسية فهم يميلون للتحدث عن مساوئ السياسة دون أن يعملوا شيئا في سبيل تحسين الأوضاع. من واجب كل مسيحي أن يكون له احساس مرهف بمسئوليته نحو الأحوال السياسية والوطنية.. فالمَسيحي المؤمن الذي ينقل الروح المسيحية إلى جميع مرافق الحياة السياسية شهادة رائعة للمَسيحية الصادقة - والعالم في هذه الأيام في أشد الحاجة إلى أتقياء لهم رصيد روحي وشجاعة أدبية ويمثلون مراكز سياسية قيادية.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إذا كان لنا أن نلخص سمات الحِس الإجتماعي المسيحي فيمكننا أن نعبر عنه بالكلمات الآتية:
* حس يقاوم التعصب وينعطِف نحو الحب والبذل والخدمة للجميع.
* حس يقاوم الظلم الاجتماعي وينحاز المظلوم والفقير والمزدرى به.
* حس يأبى التساهل مع الخطية مع محبة شديدة للخطاة.
* حس يقاوم السلبية ويتجه نحو التقدمية والايجابية.
قال طاغور "لا أستطيع أن أكون مسيحيًا لأني لأني لو صرت مسيحيا لا أستطيع أن أنام..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/social-life/sense.html
تقصير الرابط:
tak.la/kwm76hw