القاعدة الصلبة التي يرتكز عليها المسيحي في تفاعله الخارجي وتعامله الإجتماعي هو الإلهام. لأن الَمسيحى له مسحة من القدوس ثابِته فيه تعلمه كل شيء وهي حق وليست كذبًا (1 يو 2: 27). وقد يستشير المرشدين الروحيين حتى يتاكد أن الحق الذي فيه لم يلوث بأفعال الذات وخبثها واِلتواءاتها ولكن الأمر الذي لا شك فيه أنه ليس هناك فتاوی أو روشتات تعطى للمسيحي لتحدِد له حركته الإجتماعية.. الكنيسة الأرثوذكسية لها منهج معين يتلخص في أنها تطلق حركة المؤمن الإجتماعية طالما هي متأكدة من سلامة حركته الروحية.. أن البعد الرأمّي أو الصلة بين المؤمن والسماء، هو الطاقة التي تشحن المؤمن بروح الحق، وأما البعد الافقي أو الاجتماعي فانه يمتد في حرية مجد أولاد الله دون تحكمات بشرية (أما أنا فأقل شي عندي أن يحكم في منكم أو من يوم بشر).. الكنيسة الكاثوليكية تفرض وصاية على أولادها في التعامل الاجتماعي فتضَع قوائم بأسماء الافلام المصرح مشاهدتها وعروض المسرحيات التي يسمح للكاثوليك برؤيتها ولكن الأرثوذكسية ترى أن ما يصلح لأحد قد لا يصلح للآخر، إنها تضع الحدود التي ذكرها بولس الرسول فقط:
+ كل الأشياء تحل لي ولكن ليس كل الأشياء توافق.
+ كل الأشياء تحل لي ولكن لا يتسلط على شيء.
+ كل الأشياء تحل لى لكن ليس كل الأشياء تبني.
+ ما يعثر أخي أمتنع عنه حتى لو كان أكل اللحم..
(1 كو 10).
ومن هذه الأبعاد يمكننا أن نصور حدود حركة المسيحي الاجتماعية أنه يخاف على خلاص نفسه كما يخاف من ذاته والإنسان يعتنق الساكن فيها. يخاف على الناس ولا يخاف من الناس يحب الناس ولا يشتهِهم لنفسه، يخدمهم ولا يتسلط عليهم، يعارضهم ولا یكرهم.. يغرس صليب المسيح بينه وبينهم ويصلب الذات التي تلوث كل علاقة روحية وانسانية، "اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدًا للناس" (1كو 23:7).
وعلى ذلك فأن الحق وحده هو الذي يحرص على الخضوع له فيكم أن الإلهام يحركه دائما فأن الحق يشده إلى الأمام دوما..
لأجل هذا لا تجد المسيحي الحقيقي كريشة في مهب الرِياح وإنما تجده جبارًا له قيمهُ الأصلية وقواعدهُ الرصينة التي يرتكز عليها مهما تغيرت الظروف وتباينت الأشخاص..
يقول الفيلسوف المسِيحی برجسون أن نوعية أخلاق المؤمن هي الأخلاق المنفتحة التي لا تخاف القوانين الصارمة والتي لا تقوم على الإلزام والضرورات والحتميات وإنما هي أخلاق إنسانية تنزع نحو العمل الصالح تجعل مثلها الأعلى المحبة والكمال مستجيبة للنداء الداخلي..
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ويقول برديايف أن هناك ثلاثة مستويات من الأخلاق:
+ أخلاق القانون التي تجعل من السلوك الخير مجرد إطاعة لبعض القواعد.
+ وأخلاق تضع القانون في خدمة الإنسان لا الإنسان في خدمة القانون..
+ وأخلاق إبداعيه هي وليدة الحرية لا تلتزم بشكلية القواعد الأخلاقية بل تتصرف في كل الحالات بالرجوع إلى وجدان إبداعي راقي، وعنده أن الخلق المسيحي هو من النوع الثالث الذي يتسم بالإلهام والحق والابداع.
وإذا كنا نتكلم عن الخلق الإبداعي الذي أشار إليه برجسون وبردباف فهذا يؤكد لنا حقيقة هي أن سلوك المسيحي ازاء التقنية والمادية في العصر هو سلوك تقدمى غير رجعي. فالمِسيحي الحقيقي لا يندد بالتكنولوجيا والتقنية ولا يترحم على العصور الزراعية الهادئة. وإنما أخلاقه المنفتحة وروح الإلهام الداخلي تعطيه القدرة التقدمية على التعامل الاجتماعي في كل عصر ومع كل مؤسسات الحياة دون تقوقع أو تشكك أو تخاف لأن الروح والنعمة التي فيه تقدس كل شيء، وكل شيء طاهر الطاهرين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/social-life/organizations.html
تقصير الرابط:
tak.la/w6h7j26