يقول الأب ليف جيله Lev Gillet أن المسيح بعد القيامة أضحى حضوره كونیًا، عامًا وشاملًا من حيث المكان والشكل، بحيث صار من الممكن أن يقترب كل إنسان في كل مكان من جسده الممجد..
لقد أعلن لتلاميذه قبل موته بوقت طويل أنه كان جائعًا وعطشانًا، وكان عريانًا ومريضًا، وغريبًا ومسجونًا في أولئك الذين أطعمناهم وسقيناهم، وكسوناهم واعتنينا بهم وآويناهُم وزرناهُم، وكذلك في أولئك الذين إحتاجوا إلى هذه الأمور ولم نقدمها لهم وبما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم (مت 25: 35-40).
اليوم -وعلى هذه الأرض- ليں ليسوع يدان ورجلان إلا تلك التي للبشر، وإذا لم تستطع أن تصعد إلى يسوع بالصلاة اترك منزلك وأنزل إلى الشارع، وفي الحال ستجده في شكل العابرين أمامك. وفي هذه الأشكال تنال إمكانية اللقاء المستمر بیسوع.. فمُخلصي يظهر ذاته لي في المكتب والمتجر، في المخزن والاوتوبيس. في طابور الناس المنتظرين وفي أولئك المندفعين في طريقهم بسرعة.
وقد اقتبس هذا الآب من ذهبي الفم قولًا شهيرًا لهن هناك مذبح بشري حتى في كل شارع ومفترق الطريق، مقدس أكثر من المذبح الحجري، فالثاني يقدم عليه المسيح. أما الأول هو المسيح نفسه.
وفي القداس الإلهي تعلم الإرثوذكسية جماعة المؤمنين أنهم مسئولون عن الكون كله.. وأمام القربان المقدس يصلي الكاهن والشماس والشعب لأجل جميع الناس والحكام بل ولأجل نبات الحقل وأهوية السماء ومياه الأنهار.. وتؤمن الأرثوذكسية أنه من خلال مر القربان المقدس يتقدس الكون كله.. الطبيعة والنبات وأعمال الإنسان.. إن الطبيعة تشترك مع الإنسان في تقديم القربان ليصير جسدًا للرب وعصير الكرمة ليصير دمًا غفرانًا لخطايانا.. إن الأرض الملعونة هي التي تعطي في خضوع واستسلام كامل من نتاجها للرب خبزًا وخمرًا يحولهُما إلى جمد ودم أقدسين.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
فالإرثوذكسيه ترى الكنيسه نائبًا عن الكون كله أمام الله وهي مسئولة عن أن تحول العالم إلى عربون الملكوت وكل أرثوذكسي مسئول أن يتلامس مع الله في الحياة اليومية ويشهد له في سلوكه اليومي ويشع إشعاعه النين ليبدد ظلمات العالم ويهيئ المسيح النور الحقيقي أن يأتي ويظهر لكل إنسان في العالم.
والمسيحي الحقيقي يستطيع أن يرى الرب يسوع في الظروف المواتية كما يراه في الظروف المعاكسة.. يراه في الوجه المبتسم المرحب وفي الموقف الصعب القاسي. في كل هذه معًا يستطيع أن يتعرف على مقاصد اله نحوه ويستمع إلى نداء الروح طالبًا منه أن يسلك سلوكًا معينًا هو بمثابة شعاع النور الذي يبدد حلوكة الظلمة، وهو طاقة الحب الدفيئة التي تذيب الثلوج المتراكمة..
لاشيء يمنعني عن أن أرى المسيح في كل موقف من مواقف المجتمع إلا كثافة الذات وظلمة النفس وإبدال الإيمان بالمنطق والشكوك والوساوس والتفسيرات البشرية.
ففي التفاعل الإجتماعي -إيمانيًا- ليس هناك صدفة بل كل ما يحدث للمؤمن إنما يحدث بكل حكمة وفطنة، وبتدبير إلهي مذهل ومن خلال المعاناة القاسية اليومية (التي يعتبرها الآباء في بعض الأحيان في مرتبة الاستشهاد) يستطيع المؤمن أن يكتسب الفضائل ويتزين بالبر وتبررات القديسين.. فمن خلال الظلم یكتسب الصبر وطول الأناة ومن خلال استهتار الآخرين يكتسب عمق الجدية وصلابة المواقف ومن خلال عنف الرؤساء يكتسب الوداعة والاتضاع ومن خلال عدم أمانة الآخرين يتمسك بأمانته.. وقد عبر أحد المفكرين عن ضرورة بذل المسيحي حياته لاجل الاخرين بقوله (قالت قطعة الجليد - وقد مسها أول شعاع من أشعة الشمس في مستهل الربيع - أنا أحب وأنا أذوب أو ليس في الإمكان أن أحب وأوجد معًا: فإنه لا بد من الإختيار بين أمرين: وجود بدون حب وهذا هو الشتاء القارس الفظيع أو حب بدون وجود. وذلك هو الموت في مطلع الربع).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/social-life/christ-fills.html
تقصير الرابط:
tak.la/xykd4wk