(5) الجسد الجنسي لا يبلغ غايته إلا بالحب:
الإلتزام الحقيقي لا يتم إلا اذا تخطى جسد انهماكه بذاته ليلاقي بالفعل جسدًا آخر. وهذا التخطی تجاوز الجسد محدوديته ليتصل فعلًا بالأخر، في هذا الوصال ليس مجرد لذة، إنما هو أبعد وأعمق من ذلك, سعادة في اللذة وغنى في الوجود واتصالًا بالكون وشعورًا بأن للحياة معنى، في اتصال كهذا يصبح الجسد أكثر من آلة لذة تدور حول ذاتها في دوامة الفراغ، يصبح لغة يخاطب بها الآخر، لغة أبلغ وأعمق من لغة الكلام يتكاشف بها الشريكان ويتعارفان صحيحًا حسب المعنى الكتابي لكلمة "معرفة" التي تشير في الكتاب إلى إختيار وجداني للآخر. الحب يصبح شفافًا. فيه ومن خلاله يتلقى الشخصان حركات الجسد فتصبح حاملة لمعان روحية لانها تصبح معبرة عن عطاء متبادل. ذلك هو الحب الذي لا يضاف إلى الجسد في الخارج كتكملة له انما هو الشرط الاسامی لكي يحقق الجسد الجنسي سعيه وأمنيته. هناك لغو في أيامنا حول ما يسمى "بالانسجام الجنسي" الذي يعتقد الكثيرون انه عملية آلية في الأساس وان السبيل إلى تأمينه هو بالتالى تعلم وممارسة أساليب تقنية في الاتصال الجنسي تؤمن الإشباع للطرفين ومن ثم يناقضون ما يقوله أخصائيو علم الجنس في أيامنا بان الحب ومايفترضه من اهتمام بالآخر ورغبته في إسعاده واطمئنانه لهو العنصر الأساسي من أجل بلوغ هذا الاشباع المتبادل وان اتقان الأساليب الجسدية يصبح ذا جدوى إذا كان مسخرًا لتخاطب أفضل، لمشاركة أكثر صميمية إلا اذا تحول إلى تقنية أنانية أستغل الآخر ولكنها تعجز عن الاتصال به. مجمل الكلام أن الجنس فاشل إذا لم يتخط الجسد ذاته بالحنان، أما إذا تحققت الوحدة بملئها بين رجل وامرأة، فالجسد يهب مقابل ذلك سخاء ملوكيًا. ولقد ادرك ذلك لحسن الحظ. كثيرون من شباب عصرنا في هذا الغرب الذي نتوهم غالبًا انه اباحي بجملته. أورد على سبيل المثال نتائج استفتاء قامت به مؤسسة "”SOFRES ونشرت نتائجه مجلة الاكسبريس الفرنسية في مطلع هذا العام استجوب في هذا الاستفتاء شباب تتراوح أعماهم بین 15 و20 عامًا من مختلف فئات الشباب الفرنسي وقد لوحظ أن 22% فقط منهم يعتقدون أن شبابًا في عمرهم يحق لهم أن يمارسوا علاقات جنسية دون حب، الأكثرية 42% لا تحبذ علاقات في هذا النوع وان كانت تسمح بها، وإذا كان 21% منهم فقط يعتقدون أنه الفتاه يجب تبقى عذراء حتى الزواج فإن 46% يعتقدون أن ينبغي لها أن تحتفظ على عذريتها إلى أن تجد شابًا يحبها حقيقة. هكدا وعی اكثرية هؤلاء الشباب، رغم رفضهم لكثير من التقاليد الخلقية، الارتباط الصميمي القائم بين الاكتمال الجنسي من جهة والحب من جهة اخرى، هنا لا بُد أن نشير إلى الأبعاد التي تتجلى فيها الخبرة الجنسية اذا نظرنا إليها بتعمق في ضوء الإيمان. قلت أن الجسد إذا انغلق على نفسه فشل في مسعاه.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
الجنسي والآن نضيف أن ذلك الفشل إنما هو صورة عن الموت وعبارة "الموت" في الكتاب المقدس تشير كما هو معلوم إلى كل أنواع الفشل. وبالفعل فان الجسد المنغلق لسد حاجاته سائر إلى الموت الذي سينهي تلك الحاجات كلها التي لم يكن لها من مبرر سوى المحافظة على استمرار هذا الجسد في الوجود الترابي. لا بل أن فرويد يقول لنا بعمق أن إزالة القوى التي تدعو اليها حاجات الجسد إنما هي عودة إلى سكون وجمود المادة كما كانت قبل الحياة، وأن ما يدفعنا بالتالي إلى بلوغ اللذة من خلال إزالة التوتر إنما هو "غريزة الموت" العاملة لا شعوريًا في أعماق جسدنا هادفة إلى رده إلى الوضع اللاعضوی. كل ذلك حرى بأن يؤكد لنا أن جسد الحاجة المنهمك في إزالة توترات إنما هو سائر حتمًا في طريق الموت. هذا ما يلتقي بنظري مع الكلمات الكتابية "اللحم والدم لن يرث ملكوت السموات" وأيضًا "الأطعمة للجوف والجوف للأطعمه والله سيبيد هذه وتلك" فالجوف أبلغ رمز للجسد الإستهلاكی المغلق على قضاء حاجاته والذي سيزول وإياها، لأنه من التراب وإلى التراب يعود. أما إذا تخطى الجسد ذاته باتجاه الآخر فانه يتنكر لمحدودية حاجاته ويخرج من عزلته ويتصل بتيار الحياة الشاملة باتصاله بالآخر. وإذا اتصل بتيار الحياة فانه يتصل من حيث يدري أو لا يدري بالله مصدر الحياة. باندفاعه في طريق الحب يتصل بالله، ألف الحب وياؤه. بهذا المعنى يقول المطران جورج خضر أن ملتقى العروس بالعريس ككل لقاء صمیمی انما هو هجرة إلى الله. بتلك الهجرة، بذلك "الخروج" ينجو الجسم من قوقعته، ويتخطی وضع "جسد. الموت" الذي كان يشكو الرسول منه لينطلق منذ الآن في رحاب القيامة، إنما هو صورة ومقدمة لجسد القيامة لأن المحبة هي طريق القيامة الوحيد.. نحن نعلم أننا إنتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة، هنا يتجلى السر الفصحى الذي تحمله وتترجمه كل خبرة انسانية أصيلة. الجسد الجنسي يموت عند محدودية الحاجة التي تشتهي الأخر لتستهلكه وتملكه. فينجو بذلك من قوقعة العزلة المخيفة. ويتحول إلى "جسد رغبة" منفتح على الآخر وعلى الله. فيجد الحياة والفرح ويذوق شيئا من طعم الأبديه.
من هنا نفهم أيضا لماذا تستحضر الكنيسة في الزواج، وهو الإطار الطبيعي للحب البشري المكتمل، الرب المصلوب والناهض من بين الأموات، لترد الحب البشري المتعثر إلى نموذجه الفصحی، نموذج الحياة الظافرة على الموت بالموت وتثبته في خط القيامة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/body-sex/love.html
تقصير الرابط:
tak.la/js6pfp3