ولكن إن كان لا بُد أن يموت المسيح بالجسد فلماذا موت الصليب؟
هذا السؤال كان مطروحًا على القديس البابا أثناسيوس الرسولي فقال:-
"ربما تساءل أحد إن كان لا بُد أن يسلم جسده للموت نيابةً عن الجميع فلماذا لم يضع هذا الجسد (على فراش للموت وفي موضع خاص) كأي إنسان عادي بدلًا من أن يأتي به إلى موت الصليب علنًا؟
فقد كان أكثر لياقةً له أن يسلم جسده بكرامة بدلًا من أن يحتمل موتًا مشينً كهذا". (تجسد الكلمة 21: 3).
فيجيب المعلم السكندري عن هذا السؤال واصفًا إياه باعتراضًا بشري قائلًا:-
"لا بُد أن ننتبه، أن هذه الاعتراضات هى اعتراضات بشرية، أما ما فعله المخلص فهو حقًا عمل إلهي ولائق بلاهوته لأسباب كثيرة:-
أولًا:- أن الموت الذي يصيب البشر عادةً يأتيهم بسبب ضعف طبيعتهم وإذ هم لا يستطيعون البقاء لزمن طويل فإنهم ينحلون في الزمن (المحدد). وبسبب هذا أيضًا تنتابهم الأسقام فيمرضون ويموتون.
أما الرب فإنه ليس ضعيفًا بل هو قوة الله وكلمة الله وهو الحياة عينها". (تجسد الكلمة 21: 4).
"لأنه لم يكن لائقًا أن يمرض الرب وهو الذي يشفي أمراض الآخرين، ولم يكن لائقًا أيضًا أن يضعف ذلك الجسد الذي به قوَّى ضعفات الآخرين. لم يكن لائقًا أيضًا أن يسبق المرض موته لئلا يظن أن ذاك الذي كان في الجسد ضعيفًا". (تجسد الكلمة 21: 6، 7).
"لو أن جسده قد مات نتيجةً تعرضه للمرض وانفصل عنه الكلمة أمام نظر الجميع، لكان غير لائق بِمَنْ شَفَى أمراض آخرين أن يترك أداته الخاصة (جسده) يموت بسبب المرض، فكيف يصدق المرء أنه كان يشفى أمراض الآخرين إن كان هيكله الخاص قد تَعَرَّض للمرض؟
لأنه إما أن يهزأ به كأنه غير قادر علي شفاء الأمراض، أو أنه كان قادرًا ولم يفعل شيئًا (لِحِفْظ جسده) فيظن أنه عديم الشفقة على الآخرين أيضًا. (تجسد الكلمة 22: 5).
ولكن السؤال إن كان لم يمرض لأنه لم يكن ضعيفًا وكان هو الذي يشفي المرض فلماذا جاع، وتألم، وعانى، ومات؟
فيشرح القديس أثناسيوس بأن كل هذه الأمور هى من خصائص الجسد ولكن لم يهلك الرب بها فهي تثبت أنه أخذ جسدًا حقيقيًا ولكنه غير خاضع للفساد فهو جاع ولكنه لم يهلك بسبب الجوع، وهو مات ولكنه لم يفسد بالموت وذلك بسبب إتحاد الكلمة به فقال:-
"ألم يعان الجوع إذن؟ نعم إنه جاع بسبب أن (الجوع) هو من خواص جسده، على أن (هذا الجسد) لم يهلك من الجوع لأن الرب لبس هذا الجسد. لهذا فإنه وإن كان قد مات لأجل فداء الجميع، لكنه لم يرى فسادًا. فقد قام جسده سليمًا تمامًا، إذ لم يكن سوى جسد ذاك الذي هو الحياة عينها" (تجسد الكلمة 21: 7).
ثم يشرح العظيم في البطاركة البابا أثناسيوس فكرة في غاية الأهمية وهي أن الرب يسوع لم يسعى بنفسه إلي الموت -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- وأيضًا لم يهرب من الموت الذي يوقعه عليه الآخرون ولكن انتظره يأتي إليه حتى يتعقبه ويقضي عليه، لذلك فهو لم يسلم جسده من تلقاء نفسه كما أنه لم يتهرب من مؤامرات اليهود ضده فيقول في كتاب تجسد الكلمة:-
"فمادام الموت لا بُد أن يتم، فإنه لم يسعى بنفسه إلي الفرصة التي بها يتمم ذبيحته" (تجسد الكلمة 21: 6).
"لم يكن لائقًا بكلمة الله وهو الحياة أن يوقِع الموت على جسده بنفسه، كذلك لم يكن لائقًا أن يهرب من الموت الذي يوقعه الآخرون عليه، بل بالحري أن يتعقبه حتى يقضي عليه. ولهذا السبب فإنه بطبيعة الحال لم يسلم جسده من تلقاء نفسه، كما أنه لم يتهرب من مؤامرات اليهود ضده". (تجسد الكلمة 22: 1).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-angelos/cross/why.html
تقصير الرابط:
tak.la/ag45a3x