كان عدد الرهبان في الأديرة القبطية خلال القرن التاسع عشر يتناقص جدًا فمثلا في عام 1835 كان عدد رهبان أديرة وادى النطرون الأربعة يبلغ خمسة وسبعين راهبا. وفي عام 1851 عندما ترهب البابا كيرلس الخامس بدير البراموس باسم يوحنا البراموسى، لم يكن بالدير سوی رئيسه القمص حنا والأب عوض البرهيمي الذي مكث قبلًا زهاء ثلاث سنوات لوحده بالدير... فإهتم الثلاثة بقبول الرهبان من دير المحرق أو راغبي الرهبنة حتى وصل عدد الرهبان في عام 187۵ إلى ستة وعشرين راهبا...
وقد إهتم البابا كيرلس الخامس 112 (1927-1874) بالرهبان والأديرة القبطية حيث أنشأ ثلاث مدارس لتعليم الرهبان من دير البراموس ودير المحرق ودير الأنبا أنطونيوس وشهدت الأديرة نهضة جديدة تمثلت في وجود بعض الرهبان الذين إهتموا بالتعليم والثقافة الدينية وعملوا على تأسيس مكتبات الأديرة وإعداد الكتب ونشرها ويأتي في مقدمتهم القمص عبد المسيح صليب المسعودي البراموسی...
و كذلك إهتم البابا يؤانس 19 (1942-1928) بالرهبان فأنشأ مدرسة الرهبان بحلوان وعين لها العالم اللاهوتي القمص ميخائيل مينا رئيسًا. وارسل إليها الرهبان من الأديرة للدراسة والتعليم في علوم كثيرة لاهوتية وفلسفية ولغوية... إلخ.
وفي عام 1927 ترهب الأب مينا البراموسى الذي إهتم بنشر الثقافة الدينية بين أخوته الرهبان ولمعارفه في مجلة كان يصدرها ويكتبها بخط يده تدعى " ميناء الخلاص" حيث كان يؤمن بأهمية التعليم في الرهبنة وتأثيرها الإيجابي.
وفي عام 1947 قام القمص مينا البراموسي المتوحد (البابا كيرلس السادس) ببناء كنيسة مارمينا بمصر القديمة التي أصبحت مركزا للنهضة المعاصرة لما قدمه هذا الأب من فکر ورعاية وإرشاد للشباب الجامعي الذي ألتف حوله نظرًا لأبوته وروحانيته وبصيرته الثاقبة... وكان هناك من هذا الشباب الراغب في التكريس والرهبنة فشجعهم الأب مينا وأرسلهم أولًا إلى دير الأنبا صموئيل بالقلمون ثم ذهبوا إلى دير السريان بوادى النطرون... وكان من بين هؤلاء: نظير جيد (قداسة البابا شنوده الثالث)، عبد المسيح بشارة (الأنبا أثناسيوس مطران بنی سويف الحالي)، يوسف اسکندر (الأب متى المسكين) (السيرة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت)، سعد عزيز (الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الراحل والذي توفي في حادث المنصة عام1981)(1).
وكان دير السريان تحت رئاسة الأنبا ثيؤفيلس (1998–1985) حيث إهتم الأسقف بجيل الشبان الجامعي وفتح لهم الدير واستقبلهم فجاء للرهبنة الكثيرون منهم بعد أن تركوا شهاداتهم العلمية ومراكزهم المرموقة وبدأ بهم نهضة شاملة في الدير وقدموا باكورة الإبداع والإنتاج الفكری من کتب نشرات ونبذات بعدما استحضر نيافة الأسقف مطبعة إلى الدير.
و بذهاب الأب متى المسكين ومجموعة من الرهبان المثقفين إلى دير القديس مقاريوس الكبير عام 1969 بدأت نهضة جديدة أخرى معاصرة. وهكذا استقبلت الأديرة الأخرى مثل دير المحرق بصعيد مصر بعض الشباب المتعلم وتمت رهبنتهم.
وعندما أصبح القمص مينا البراموسی المتوحد بطريركا للكنيسة عام 1959 باسم البابا كيرلس السادس 119 (1959- 1971) قام برسامة الكثير من أولاده الرهبان الجامعيين المثقفين أساقفة في الإيبارشيات أو في الأسقفيات العامة، فكانوا الباكورة الأولى التي قدمها لخدمة الكنيسة من رهبان هذا الجيل وهم:
1- الأنبا باسيليوس مطران القدس السابق (1991-1959) والحاصل على بكالوريوس لاهوت، ودكتوراه في التاريخ عن القبط ومشروع الإمبراطور هرقل من جامعة تسالونيكي باليونان.
2 - الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا الحالي (1962-) والحاصل على ليسانس آداب إنجليزي وماجستير في التربية.
3- الأنبا صموئيل أسقف الخدمات العامة والإجتماعية السابق (1981-1962) والحاصل على ليسانس حقوق وماجستير في التربية.
4- الأنبا شنوده أسقف التعليم (حاليا قداسة البابا شنوده الثالث) والحاصل على ليسانس آداب تاريخ ودبلوم آثار.
5- الأنبا دوماديوس مطران الجيزة الحالي (1963-) والحاصل على بكالوريوس زراعة.
6- الأنبا أغابيوس أسقف ديروط وصنبو وقسقام السابق (1984-1965) والحاصل على ليسانس حقوق.
7- الأنبا ديوسقوروس أسقف المنوفية الأسبق (1983-1965) والحاصل على بكالوريوس لاهوت وأستاذ التاريخ الكنسي بالكلية الإكليريكية اللاهوتية.
8- الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي (1967-) والحاصل على ليسانس آداب فلسفة ودكتوراه في فلسفة اللغة.
9- الأنبا أندراوس أسقف دمياط وكفر الشيخ السابق (1972-1969) والحاصل على بكالوريوس هندسة.
وفي 14 نوفمبر من عام 1971 أختير الأنبا شنوده أسقف التعليم ليكون بطريركًا للكنيسة باسم "البابا شنوده الثالث" وهو البطريرك السابع عشر بعد المائة من عداد بطاركة الإسكندرية.
ومنذ اليوم الأول أعطى قداسة البابا شنوده الثالث إهتمامًا خاصًا للرهبنة والأديرة القبطية فحدث لها نهضة شاملة على كل المستويات في التعمير والبناء والتشييد وفي قبول الكثيرين من الشباب الجامعي المثقف للدخول في الرهبنة سواء في داخل مصر أو خارجها... ويمكن أن نذكر بعض هذه الاهتمامات من قبل قداسته کما يلي(2):
1- تعمير أغلب الأديرة القديمة سواء على مستوى الكنائس أو القلالی أو بناء بيوت الضيافة والإستراحات أو التوسع في زراعة الأراضي الصحراوية المحيطة بالأديرة. وتعبيد الطرق إليها.
2- بناء المقر البابوي خلف دير الأنبا بيشوي بوادى النطرون مما كان له الأثر المباشر في حركة التعمير داخل هذا الدير أو الأديرة المجاورة له.
3- إعادة الحياة الرهبانية لبعض الأديرة القديمة الأثرية والاعتراف بها مثل دير الأنبا باخوميوس بجاجر أدفو - دير مارجرجس الرزيقات - دير العذراء بجبل أخميم - والإعتراف بدير دميانة ببراري بلقاس للراهبات.
4- تشييد وبناء الأديرة القبطية الجديدة في داخل مصر وخارجها مثل: دير مارجرجس الخطاطبة - دير أبو سيفين للراهبات بسيدی کرير - ديري الأنبا أنطونيوس بكاليفورنيا بامريكا وأستراليا - ديري الأنبا شنوده رئيس المتوحدين بإيطاليا وأستراليا.
5 - الزيارات المستمرة للأديرة ورسامة الرهبان الجدد وقبول طالبي الرهبنة (أنظرالجدول المرفق).
6- تعيين رؤساء للأديرة القبطية من الآباء الأساقفة مع تكوين لجنة مجمعية لدراسة شئون الرهبنة في كافة الأمور.
7- الإستعانة بالآباء الرهبان في سكرتاريته الخاصة أو الخدمة في بلاد المهجر وأفريقيا أو في تعمير الأديرة الجديدة بالخارج أو في الإشراف على تعمير الأديرة الأثرية بداخل مصر.
من ناحية أخرى نجد قداسة البابا يختار من رهبان هذا الجيل الجديد الآباء الأساقفة الذين يتحملون مسئولية العمل الرعوي والكنسي في الكنيسة سواء للإيبارشيات أو الأسقفيات العامة مصر وخارجها؛ حيث رسم نحو 75 أسقف في خلال سني حبريته حتى الآن(3)...
ويمكن التعرف على عمق هذه النهضة الرهبانية بقراءة هذه الأرقام وتلك البيانات عن دير البراموس بوادى النطرون کنموذج أو دراسة حالة وذلك عن الفترة من عام 1975 إلى عام 1995...
1- عدد الرهبان الذين تم قبولهم 80 راهبًا منهم 62 راهبًا حاصلًا على شهادات جامعية و23 راهبا على شهادات فوق المتوسط والدبلوم(4).
2- إختيار 8 أساقفة من دير البراموس وهم(5):
- نيافة الأنبا أرسانيوس أسقف المنيا وأبو قرقاس (بكالوريوس هندسة - جامعة القاهرة). وذلك في 13/6/1976.
- نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية والنائب البابوي بالإسكندرية بكالوريوس هندسة - جامعة الإسكندرية) وذلك في 13/6/1976.
- نيافة الأنبا أنطونيوس مرقس أسقف عام أفريقيا (بكالوريوس الطب والجراحة). وذلك في 13/6/1976.
- نيافة الأنبا ياكوبوس أسقف الزقازيق ومنيا القمح (بكالوريوس العلوم والتربية - جامعة أسيوط). وذلك في 29/5/1977.
- نيافة الأنبا بولا أسقف طنطا (بكالوريوس علوم وچيولوچيا - جامعة طنطا). وذلك في 20/ 5/ 1980 ثم أسقفا لطنطا في 18/6/1989.
- نيافة الأنبا موسى أسقف عام الشباب (بكالوريوس الطب والجراحة - جامعة أسيوط). وذلك في 18/6/1978 ثم أسقفا للشباب في 25/5/1980.
- نيافة الأنبا كيرلس أسقف عام بدير الأنبا شنوده بميلانو إيطاليا بكالوريوس هندسة - جامعة المنيا). وذلك في 19/6/1986 ثم أسقفا لميلانو في 1/6/1996
- نيافة الأنبا إيسوذورس أسقف دير البراموس (ليسانس حقوق – جامعة عين شمس). وذلك في 14/6/1992.
3- يعمل القمص أنطونيوس البراموسی حاليًا ضمن سكرتارية قداسة البابا شنوده الثالث(6).
4 - إختيار 16 راهبًا للخدمة في الكنائس والإيبارشيات داخل مصر.
5- إختيار 20 راهبًا للخدمة في الخارج ورعاية الأقباط هناك.
6- يقوم 9 رهبان من الدير بالعمل في مجال التأليف والترجمة والنشر وكتابة المقالات في المجلات القبطية ومراجعة الكتب التي يصدرها أبناء الكنيسة في كافة العلوم الكنسية اللاهوتية والآبائية(7) وهم أصحاب النيافة الأنبا موسى - الأنبا بولا - الأنبا ياكوبوس - الأنبا بنيامين - الأنبا كيرلس(8) - والآباء القمص أنطونيوس البراموسی - القس أغسطينوس البراموسی - القس بولا البراموسی - القس كيرلس البراموسى - القمص إيسوذورس البراموسی.
7- يقوم بعض آباء البراموس بالتدريس في كليات اللاهوت ومعهد الرعاية مثل: الأنبا بنيامين - الأنبا موسى - الأنبا بولا – الأنبا أرسانيوس - القمص إيسوذورس البراموسی.
8- قام دير البراموس ببناء مبنى خاص للمطبعة التي إستحضرها من أجل تدعيم عمل النشر والثقافة الكنسية، وتقوم بطبع الكتب سواء لرهبان الدير أو الكنائس والمؤلفين ويشرف عليها القس أثناسيوس البراموسی حاليا. فضلًا عن مكتبة بيع الكتب والهدايا. إلى جانب تدعيم مكتبة الدير بالكتب والمراجع في كافة العلوم الكنسية والفلسفية والتاريخية والإسلامية واللغات والعامة... ويشرف عليها القمص أغسطينوس البراموسي والذي يبذل الجهد الكبير في ترتيب المكتبة وفهرستها وإعدادها للإستعارة الداخلية للآباء الرهبان فضلًا عن الإهتمام بالمخطوطات الثمينة التي بالدير.
9- منذ عام 1974 بدأ تعبيد الطرق إلى دير البراموس، وإكتمل برصفه في مايو 1980 مما ساعد على حركة النقل إلى الدير من إحتياجات التعمير والبناء أو لإستقبال الزائرين والشباب. ولذلك قام الدير ببناء بيت الضيافة خارج سور الدير القديم عام 1975 وتم الإنتهاء منه عام 1981 وهو مكون من طابقين. وأيضا بيت الخلوة للشباب والإنتهاء منه عام 1982.
10- قيام الدير بإستطلاح الأراضى الصحراوية التي حوله ثم تسويرها بسور ضخم بطول 6 كم وبه البوابات الكبيرة ومعها القلالي الخاصة بسكني الرهبان. وأيضا إستصلاح أراضى أخرى خارج هذا السور. وقد إستخدمت أحدث الآلات والمعدات الزراعية إلى جانب إستخدام نظامی الري بالرش والتنقيط في زراعة هذه الأراضي المستصلحة بالخضروات
والفاكهة والزيتون والنخليل وغيرها من المنتجات الزراعية... 11- قام الدير بإنشاء مزرعة كبيرة على مساحة 1500 متر مربع لتربية الماشية والدواجن والأرانب على أحدث النظم حيث توفر إمكانيات العناية الصحية في إتساع وتهوية وإضاءة وأيضا أحدث الآلات والمعدات الخاصة بالإنتاج الحيواني مثل فرز اللبن وصناعة الجبن والمسلی...
12- مع زيادة عدد الرهبان، قام الدير بناء مبنيين لسكني الآباء الرهبان ويشمل كل مبني على 36 قلاية(9). إلى جانب القلالي التي داخل الدير والملاصقة للسور وأيضا القلالي في السور الخارجي...
13 - الإهتمام بترميم جميع كنائس الدير والحصن القديم وقصر الضيافة وصهاريج المياه وذلك بأحدث الوسائل العلمية في الترميم، وبمساعدة هيئة الآثار المصرية.
14- في ضوء هذا الإحتياج للتعمير والنمو في البناء والحركة ووجود أكثر من مائة عامل وفلاح يعملون في كافة المجالات، حرص الدير على وجود المولدات الكهربائية التي تساعد على الإنارة للدير كله من كنائس وقلالي ومباني ومعامل، وأيضا ورشة لصيانة السيارات والجرارات والمعدات والآلات المستخدمة. كذلك شبكة التليفونات الداخلية بالدير لإمكانية الإتصال السريع بين كل جنباته من البوابة الرئيسية إلى سكن الرهبان إلى أماكن العمل وغيرها، فضلا عن العيادة الطبية المكونة من أربعة حجرات مخصصة إحداها للباطنة وأخرى للجراحة والأسنان والثالثة للرمد والأنف والأذن والحنجرة والرابعة للصيدلية التي بها الأدوية اللازمة.
ويشرف عليها الآباء الرهبان الأطباء إلى جانب الأطباء الزائرين في أغلب التخصصات.
هذه الصورة في نهضة دير البراموس في كافة المجالات والإتجاهات كمًا وكيفًا موجودة في جميع الأديرة القبطية بمصر، فتشهد جميعًا على أهمية الرهبنة ووجودها وتأثيرها في حياة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. فضلًا عن الدور الرئيسي الذي قام قداسة البابا شنوده الثالث في تأكيد وتحقيق ذلك عمليًا.....
_____
(1) راجع كتابنا: قراءة في حياة أبونا مينا البراموسی المتوحد.
(2) راجع کتابنا: هذه الطالعة من البرية.
(3) إرتفع عدد الآباء الأساقفة حتى الآن إلى 93 أسقفًا.
(4) إرتفع عدد الرهبان حتى الآن حوالی 105 راهبًا.
(5) تم سيامة كل من:
- نيافة الأنبا رافائيل أسقفا عاما (بكالوريوس طب جامعة عين شمس) وذلك في 15/11/1997.
- نيافة الأنبا مكسيموس أسقفا عاما (بكالوريوس الخدمة الإجتماعية - اسكندرية) وذلك في 30/5/1999.
(6) يعمل حاليًا في كنيستنا بالسويد.
(7) نذكر أيضا في هذا الصدد من آباء دير البراموس:
- القمص عبد المسيح المسعودي البراموسی (1935-1848).
- القمص ميخائيل مينا البراموسی (1956-1880).
- البابا كيرلس السادس البطريرك السابق (1971-1959).
- الأنبا ديسقوروس أسقف المنوفية السابق (1976-1965).
(8) وأيضا نيافة الأنبا رافائيل الأسقف العام.
(9) يقوم الدير حاليًا ببناء المبنى الثالث.. كما تم بناء مبني خاص للآباء الكهنة الذين يأتون إلى الدير لقضاء الأربعين يوما بعد سيامتهم لتسليم القداس الإلهي بألحانه وطقوسه، وأيضًا كمكان خلوة خاص بالآباء الكهنة الذين يقضون فترات خلوة بالدير. وذلك عام 1999. وبيت الكهنة ملاصق لسور الدير بجوار البوابة التي تؤدي إلى مغارة البابا كيرلس السادس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/amir-nasr/monasticism/new-generations.html
تقصير الرابط:
tak.la/72xyn5k