على أن التاريخ يثبت أن الرهبنة قبل أنطونيوس كانت عبارة عن قلالي(1) متفرقة، يسكنها جماعة المتوحدين الذين زهدوا العالم وعشقوا البتولية، وكانوا يبنون قلاليهم في خارج المدن وعلى ضفاف النيل.
وقد ورد في سيرة آباء الرهبنة الأولين ما يثبت ذلك، ففى سيرة الأنبا بولا قيل: (إنه لم يكن قد ظهر شكل الرهبنة بعد، ولا ظهر إسم الرهبان ولا سكنوا الجبال بل كانوا يدعون نساكًا، والذي كان يريد أن يتفرد كان يبعد عن بلدته قليلًا ويبنى له مسكنًا ويتفرغ لما فيه خلاص نفسه في قلايته وهذا يدعى ناسكًا).
وفي بدء سيرة الأنبا أنطونيوس المذكورة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت ذكر أنه (أخذ أخته ودفعها لقوم عذارى بتوليين ثقات وخرج هو أيضًا سائرًا في النسك مهتديًا بقوة ولم يكن في ديار مصر بعد، ديارات (أى لم يكن فيها أديرة) ولا سكن الرهبان بعد البرارى، وكان كل من يشتهى التنسك يخرج من بلده ويتفرد، وكان شيخ ساكنًا في ضيعة يتنسك من صباه، فهذا لم نظره أنطونيوس حسده على فعل الخير وإبتدأ هو أيضًا يتفرد في موضع خارجًا عن بلدته، وفي حياة القديس أنطونيوس ما يفيد أنه إقتدى بنساك كثيرين وفي مقدمتهم هذه الشيخ المذكور.
وجاء أيضًا في آخر سيرة الأنبا باخوميوس أب الشركة ما نصه: (قال الأب أنطونيوس إعلم أيها الأخ زكاوس أنه في إبتداء كونى راهبًا ما كان قد ارتسم دير ولا تهذبت حال بجمع نفوس كثيرة إلى مكان واحد، ولكن بعد سكون الاضطهاد كان من يؤثر الزهد في العالم ممكن قد عرف غروره وخداعه وعبوره، كان ينسك بمعزل وعلى إنفراد إلى أن ظهر هذا الأب باخوميوس وعمل هذا الصنيع الحسن بإلهام الله... أما الأب باخوميوس فلقد فاق بطول روحه وغزارة حلمه على كثيرين من الناس، وكان يتصل بى ما كان عليه من حسن الأخلاق وقويم ديانته وحسن عبادته وتصرفه حسب الكتب المقدسة، وكانت نفسى تفرح لذلك وتسر)(2).
_____
(1) كلمة يونانية κελί معناها حجرة، وتُطْلَق على مسكن الراهب.
(2) تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين ص30.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/amir-nasr/monasticism/before-anthony.html
تقصير الرابط:
tak.la/5dt5rky