4- حتمية النجوم
حتى زمن أوريجانوس كانت فكرة تحكُّم النجوم في مصائر البشر هي فكرة جذابة للمسيحيين وغير المسيحيين. حتى أن أوريجانوس يشير في مقدمة كتاب ”المبادئ“ بقوله: ”يعتقد اعتقادًا مخالفًا مَن يقولون إن مسيرة النجوم وحركاتها عِلة الأفعال البشرية“.[45] كذلك يعدد أوريجانوس في الفيلوكاليا النتائج المترتبة على الحتمية/ أو القدرية النجمية كالتالي: ”نتيجة هذا الرأي هو التلاشي التام لحرية الإرادة“. ثم يعدد التبعات الكارثية لإنكار حرية الإرادة كالتالي:
”ونتيجة أخرى هي أن المدح واللوم أصبحا بلا معنى.
كما يضيع الفارق بين السلوك المقبول والسلوك الذي يستحق اللوم.
وإن صح هذا الأمر، تكون نهاية للدينونة الإلهية التي نكرز بها.
ونهاية للتهديدات الإلهية بالعقوبة التي تنتظر الخطاة.
ونهاية أيضًا للمستقبل المبارك لهؤلاء الذين كرسوا أنفسهم للحياة العليا.
لأنه لن يكون فيما بعد أي أساس لمبرر لها.
وكذلك سيكون إيماننا سدى.
ولن يكون أي نفع فيما بعد لكل تدبير الناموس والأنبياء،
وأتعاب الرسل في تأسيس كنيسة الله بالمسيح.“[46]
حتى مجيء المسيح سيكون وفقًا لهذا محكومًا بالنجوم وليس عملاً إلهيًا عجيبًا. لقد شَكَّلَت حتمية النجوم تهديدًا خاصًا على المسيحية لأنها ”اعتمدت على رأي شائع في ذلك الوقت يقول إن الله لا يعرف الأحداث المستقبلية فحسب، بل ويحددها أيضًا، وفي هذه الحالة ينحبِس الإنسان في مباراة نهايتها معروفة“.[47] فيما بعد فند بعض آباء الكنيسة هذه الفكرة المغلوطة، ومنهم غريغوريوس النيسي، الذي خصص مقالة له بعنوان ”ضد القدر“ يرفض فيها ادعاء أن مستقبل الإنسان يتحدد بحركة النجوم وموقعها عند ميلاده، بحقيقة أن من يولدون تحت نفس النجم يتعرضون لأقدار حياتية مختلفة.[48]
كما يمكننا الإشارة إلى الميثولوجيا اليونانية، ففي أسطورة ”أوديب“ تتنبأ الآلهة قبل مولد أوديب بأنه سيقتل أباه وسيتزوج أمه. فعندما سمع أبواه بهذه النبوءة وضعوه أعلى قمة الجبل، فوجده أحد الرعاة الذي رباه هو وزوجته. وعندما صار أوديب شابًا علم بهذه النبوءة فهرب من الراعي وزوجته ظنًا منه أنهما والديه، في هروبه تشاجر مع رجل فقتله، واتضح أنه أبوه. ثم بعد ذلك تطورت الأحداث وتزوج من سيدة اتضح أنها أمه. وكأننا القصة الأسطورية تخبرنا إن الإنسان لا يستطيع الهرب من مصيره المحتم مع فعل. رفض آباء الكنيسة هذه القدرية المعتمدة على النجوم أو على أي شيء آخر، وأكدوا على خطورة هذه الفكرة على حياة الإنسان. لأن بحسب القديس غريغوريوس النيسي في مقالة ”ضد القدر“: ”إن الاعتقاد بتأثير القدر يُبعد المرء عن الله... ويجعله يهرول وراء الشياطين. وهكذا يصبح من اليسير إقناع الناس بألا يوجهوا حياتهم بحسب مشورة الله، بل بأنظمة النجوم“.[49] كما يعلق أحد الدارسين: ”إن فكرة سبق تعيين المصير هي فكرة هيللينية وليست فكرة مسيحية“.[50]
_____
[45] أوريجانوس، المبادئ، المقدمة 5.
[46] Philokalia of Origen, ch. xxiii, p. 173- 174.
[47] George E. Karamanolis, The Philosophy of Early Christianity (Routledge, 2014), 172.
[48] Everett Ferguson, Encyclopedia of Early Christianity (Routledge, 2013), 423.
[49] مجلة مدرسة الإسكندرية، عدد 21، ضد القدر للقديس غريغوريوس النيصي، ص 46.
[50] نفس المرجع السابق، ص 26.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/origen-free-will/stars.html
تقصير الرابط:
tak.la/7fmhj92