(19) أنا أسأل، وأتحدث لو تتذكرون عن شبه بعيد. وبالتالي لا تدع أحدًا يقول، انظر بمَ قارن الله! لقد أعلمتكم بهذا بالفعل، لكن بالاستباق جعلتكم تأخذون حذركم، وقد حذرت نفسي. الاثنان بعيدان جدًا من أحدهما الآخر، كالمنخفض جدًا عن المرتفع جدًا، كالمتغير عن غير المتغير، كالمخلوق عن الخالق، كالطبيعة البشرية عن الطبيعة الإلهية.
أنا أخبركم بهذا في البداية، لئلا يقول أحد شيئًا ضدي؛ لأنه يوجد اختلاف شاسع في الأمور التي على وشك أن أتحدث عنها. ولئلا بينما أطلب منكم أن تعيروني آذانكم، فإن أحدكم يجهز أسنانه، تذكروا أنني شرعت فقط في أن أبيِّن أن هناك أشياء ثلاثة تظهر منفصلة غير أن عملهم غير قابل للانفصال. لكني غير مهتم الآن بمدى تشابه أو بمدى اختلاف هذه الأشياء عن الثالوث القدير. لكن في الخلائق عينها التي تنتمي للرتبة الأدنى والخاضعة للتغيير نجد بالفعل أشياء ثلاثة قد تظهر منفصلة مع أن عملهم غير قابل للانفصال.
يا للخيال الجسداني! يا للضمير العنيد غير المؤمن! لماذا بشأن هذا المجد غير الموصوف تشك من جهة هذا الأمر، الذي يمكنك أن تكتشفه في ذاتك؟ لأني أسألك أيها الإنسان، هل لديك ذاكرة؟ فإذا لم يكن لديك ذاكرة فكيف احتفظت بما قلته لك؟ لكن ربما تكون قد نسيت بالفعل ما قلته حتى منذ قليل. لكن حتى جملة ”أنا قلت“- هذان المقطعان لم يكن ممكنًا تذكرهما إلا بالذاكرة. لأنه كيف تعرف إنهما كانا مقطعين، إذا كنت قد نسيت الأولى بينما كانت الثانية تُلفظ؟ لكن لماذا أسهب أكثر في هذا؟ لماذا أنا متعجل؟ لماذا أحاول تأكيد هذه القناعة؟ لأن لديك ذاكرة. هذا أمر واضح. أنا أبحث الآن عن شيء آخر. هل لديك فهم. ستقول ”نعم لدي“. إذا لم يكن لديك ذاكرة ما كنت تستطيع أن تحتفظ بما قلته. وإذا لم يكون لديك فهم، ما كنت لتدرك ما احتفظت به في ذاكرتك. وبالتالي لديك هذا وذاك. فأنت تستدعي فهمك لما احتفظت به بالفعل داخلك، وبالتالي أنت تدركه، وبالإدراك تكونون في موضع ما يُطلق عليه المعرفة.
لكني أبحث عن شيء ثالث. لديك ذاكرة تحفظ بها ما يُقال. ولديك فهم تفهم به ما تحفظه. لكن بالتعرض إلى هذين الأمرين أطلب منك ثانية، أليس بإرادتك حفظت وفهمت؟ بلا شك ستقول بإرادتي. وبالتالي لديكم إرادة.
هذه هي الأشياء الثلاثة التي وعدت بأن أستحضرها لآذانكم وأذهانكم. هذه الأشياء الثلاثة هي في داخلكم، التي يمكنكم عدها، لكن لا يمكنكم فصلها. هذه الثلاثة إذن: الذاكرة، والفهم، والإرادة- أقول تأملوا هذه الثلاثة وكيف تظهر منفصلة، في حين أن عملهم غير قابل للانفصال.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(20) الرب سيكون عوني الآن، وأرى أنه حاضر لمعونتي. وأرى أنه حاضر لمعونتي. لأني أدرك بفهمكم لما أقوله أنه حاضر لمعونتي. لأني أدرك بأصواتكم كيف أنكم فهمتموني، وأثق بالتأكيد أنه سيظل يساندنا لكيما تفهموا كل شيء. وعدت بأن أبيّن لكم ثلاثة أشياء تظهر منفصلة غير أن عملهم غير قابل للانفصال. انظروا إذن. لم أعرف ما كان في أذهانكم وأنتم أظهرتم لي بقولكم ”الذاكرة“. هذه الكلمة، هذا الصوت، هذا التعبير خرج من ذهنكم إلى أذني.
لأنه قبل ذلك كان لديكم الفكرة الصامتة لهذه الذاكرة، لكنكم لم تعبروا عنها. كانت بداخلكم، لكن لم تصل إلي بعد. لكن لكيما ينتقل ما هو بداخلكم إلي، فقد عبرتكم بالكلمة ذاتها، أي ”الذاكرة“. فسمعتها، أي سمعت الثلاثة مقاطع التي تتكون منها هذه الكلمة ”الذاكرة“. هي اسم، وكلمة من ثلاثة مقاطع، لُفظت صوتًا، ووصلت إلى أذني، وتركت انطباعًا على ذهني بفكرة معينة.
تبدد الصوت، لكن الكلمة التي وصلت بها الفكرة، والفكرة نفسها، تبقيان. لكني أسأل: حين لفظتم هذه الكلمة ”الذاكرة“، ترون أن لها إشارة إلى الذاكرة فقط. لأن الشيئين الآخرين (الفهم والإرادة) لهما اسمان يخصانهما. لأن أحدهما يسمى ”الفهم“ والآخر ”الإرادة“ وليس ”الذاكرة“، لكن هذه بالتحديد تسمى ”الذاكرة“. ومع ذلك بأي شيء فعلت لتعبر عن هذا، أي لكي تلفظ هذه المقاطع الثلاثة. هذه الكلمة التي تشير إلى الذاكرة فقط، نجد أن كلاً من الذاكرة انخطرت في ولادتها بداخلكم، بحيث يمكنكم الاحتفاظ بما قلتموه، والفهم أيضًا لكيما تعرفوا ما احتفظتم به، والإرادة لكيما تعبرون عما عرفتموه. الشكر للرب إلهنا!
لقد ساعدنا، إياكم وأنا. لأني أخبركم بالحقيقة أيها الأحباء أنني شرعت في فحص وشرح هذا الموضوع برهبة شديدة. لأني كنت أخشى لئلا ربما أفرِّح روح المتسعين ذهنيًا، وأصيب القدرات الأبطأ بإعياء. لكني الآن أرى كليهما بالانتباه الذي راعيتموه في سماعي، والسرعة التي فهمتموني بها، بحيث أنكم لم استوعبتم ما قلته فقط، بل استبقتم كلماتي. شكرًا للرب!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-matthew-3-13/explain-the-trinity.html
تقصير الرابط:
tak.la/nwj6xzt