(9) لا بُد أن نتبرأ أيضًا من هؤلاء الذين ينكرون أن الرب يسوع المسيح اتخذ مريم أمًا له على الأرض، لأن تدبيره الزمني شرَّف كل جنس، الذكر والأنثى أيضًا؛ فباتخاذه طبيعة ذكورية وبولادته من امرأة فقد أظهر أيضًا بهذا التدبير أن الله لا يهتم فقط بالجنس الذي مَثَّله بل يهتم أيضًا بالجنس الآخر الذي من خلاله اتخذ طبيعتنا.
ولا ينبغي أيضًا لقول المسيح ”مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ“ (يو 2: 4) أن يدفعنا إلى إنكار أمه. فهو بالأحرى يريدنا أن نفهم أنه باعتباره الله فليس له أم، لأنه بتحويل الماء إلى خمر كان يستعد للكشف عن الصفة الشخصية لجلاله. في المقابل باعتباره إنسانًا فقد صُلب. هذه كانت الساعة التي لم تأتِ بعد حين قال: ”مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ“، وهو يقصد ”الساعة التي سأعترف بكِ فيها“. ثم حدث إنه على الصليب كإنسان أنه اعترف بأمه من جهة الجسد، واستودعها بطريقة بشرية للغاية إلى الرسول الذي كان يحبه.[21]
ولا ينبغي أن نرتبك بحقيقة أنه لما بلغه وصول أمه وإخوته أجاب: ”مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتِي؟“ (مت 12: 48). هذا الموقف يجب أن يكون درسًا بأن العلاقات لا يجب الالتفات إليها متى وقفت في طريق خدمتنا في كرازة كلمة الله إلى الأخوة. إذا افترض أي أحد أنه لم يكن له أم على الأرض فقط لأنه قال: ”مَنْ هِيَ أُمِّي؟“، لا بُد أن يعترف بالضرورة أيضًا أن الرسل لم يكن لهم آباء على الأرض أيضًا، لأنه أوصاهم قائلاً: ”لاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ“ (مت 23: 9).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(10) ولا ينبغي لفكرة الأعضاء الداخلية لجسد المرأة أن يضعف اعتقادنا (بولادته البشرية)، كما لو كان هذا النوع من الولادة من جهة ربنا ستبدو مرفوضة فقط لأن النجسين نظروا نظرة نجسة لها.[22] كان الرسول على صواب تمامًا عندما قال إن: ”جَهَالَةَ اللهِ أَحْكَمُ مِنَ النَّاسِ!“ (1كو 1: 25)، وأيضًا: ”كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ“ (تي 1: 15).
وبالتالي فالناس الذين يتبنون هذه النظرة يجدر بهم أن يلاحظوا كيف أن أشعة شمسنا هذه (التي في الواقع لا يمتدحونها باعتبارها أحد مخلوقات الله بل تُعبد كإله)[23] منتشرة في كل مكان فوق الروائح الكريهة من البالوعات وفوق كل نوع من القذارة. الشمس هنا تعمل بحسب طبيعتها، لكنها لا تتسخ بمقتضى ذلك بأي تلوث من أي نوع، برغم أن النور المنظور بطبيعته يكون في اتصال قريب مع هذه الأشياء القذرة المنظورة. وبالتالي ألا يكون الأمر أكثر سهولة بالنسبة لكلمة الله، الذي هو ليس ماديًا وليس منظورًا، أن يتجنب التلوث من جسد امرأة الذي اتخذ فيه جسدًا بشريًا له نفس وروح؟ إنه عبر هذا الوسط فإن جلال الكلمة يتخذ مسكنًا أكثر احتجابًا بعيدًا عن ضعف الجسد البشري.
وهكذا يتضح جليًا أن كلمة الله لا يمكن أن يتدنس بأي شكل من الأشكال بسبب الجسد البشري، لأن النفس البشرية ذاتها لا تعاني من الدنس بسبب هذا. فلا تتدنس النفس بالجسد حين تملك على الجسد وتمنحه الحياة، بل تتدنس حين تشتهي ملذات الجسد الفالتة. وبالتالي إذا أراد هؤلاء الهراطقة أن يبعدوا الأدناس عن نفوسهم، يجدر بهم بالأحرى أن يرتعبوا من أمثال هذه الأكاذيب والتجديفات المدنسة.
_____
[21] قارن (يو 19: 26، 27).
[22] راجع عظة أغسطينوس رقم 12 عن نفس الموضوع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-faith/the-word.html
تقصير الرابط:
tak.la/aw67v3b