(11) وبالتالي لدينا ثلاثة فئات من الأشياء التي تُرى: الأولى فئة الأشياء المادية، مثل السماء والأرض وكل شيء يدركه العضو الحاس في الجسم أو يختبره بشأنها. الفئة الثانية تتضمن تصورات أو تمثلات الأشياء المادية، مثل التي نصورها لأنفسنا في الفكر بواسطة خيالنا، سواء نظرناها داخليًا كشيء نتذكره أو نتخيله كما لو كانت أجسامًا. وفي هذه الفئة هناك رؤى، مثل التي تحدث سواء في النوم أو في حالة ما من الغيبة، وهي تتمثل في أبعاد مكانية غير حقيقية.
الفئة الثالثة مختلفة عن الفئتين السابقتين، وتتألف من أشياء ليست مادية وليس لديها تمثلات مادية. على سبيل المثال، الحكمة التي ندركها بالفهم، والتي بنورها نقدِّر كل هذه الأشياء الأخرى على نحو صحيح. لكن السؤال هنا: في أي فئة علينا أن نؤمن أنها تتضمن الثالوث الذي نرغب في التعلُّم عنه؟ من الواضح أنه إما في فئة منهم أو ليس في أي فئة منهم. وإذا كان في فئة منهم، فيجب أن يكون في الفئة الأرقى من الفئتين الأخرتين، أي الفئة التي تتضمن الحكمة.
لكن إذا كانت الحكمة عطية الله فينا، فهي أيضًا أقل من الحكمة الأسمى غير المتغيرة التي تُدعى حكمة الله. أعتقد أننا لا ينبغي أن نصنف العاطي كأقل من عطيته. لكن إذا كان لنا بعضٌ مِن نور هذه الحكمة في داخلنا ويسمى حكمتنا، إلى الحد الذي نستطيع فيه أن نستوعبها ”فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ“،[19] حينئذٍ لا بُد أن نميِّز هذه الحكمة عن كل الأشياء المادية وعن كل تمثلات الأشياء المادية.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(12) لكن إذا لم يصح إدراج الثالوث في أي من هذه الفئات، وإذا كان الثالوث غير مرئي بطريقة ما بحيث لا يُرى بالذهن، فبالأحرى ليس لدينا أي سبب على الإطلاق في أن نؤمن أنه يشبه سواء الأشياء المادية أو تمثلات الأشياء المادية. فهو لا يتفوق على الأجسام في الجمال أو في عظمة كتلتها، لكن في الاختلاف وعدم تماثل طبيعته معها. هو أيضًا بعيدٌ عن أي مقارنة بفضائلنا الروحية مثل الحكمة والعدل والمحبة والعفة وما شابه من سمات، والتي قطعًا لا نقدرها بسبب حجمها المادي، ولا أيضًا نتمثلها في أفكارنا بالأشكال الجسمية، لكن حين نفهمها بشكل صحيح فإننا ننظرها بنور ذهننا بدون صفات جسمية أو أي شبه بالسمات الجسمية.[20]
فإذا كان الثالوث يختلف بالمقارنة مع فضائل ذهننا، فكم بالأحرى إذن لا بُد أن نمتنع عن أي مقارنة مع الصفات والأبعاد المادية في تفكيرنا عن الثالوث! لكن الرسول يشهد بأنه ليس غريبًا تمامًا عن عقلنا، حين يقول: ”لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ“ (رو 1: 20). ومِن ثَم، لأن نفس الثالوث خلق كلاً من الجسد والنفس، فهو بشكل واضح أسمى من كليهما. فإذا تأملنا النفس خاصة النفس الإنسانية العاقلة والمفكرة، والتي خُلقت على صورته- فإذا كانت لا تفلت من (لا تتجاوز) أفكارنا وفهمنا، بل يمكننا بالذهن والفهم أن ندرك الجزء الرئيس من النفس، أي العقل نفسه، فربما لن يكون من العبثي أن نحاول أن نرتقي بالنفس إلى فهم خالقها، بمعونته. لكن إذا فشلتْ في ذاك وارتدت إلى الوراء على نفسها، فلترضَ بإيمان تقوي طالما أنها متغربة عن الرب،[21] حتى يتحقق وعده في الإنسان، كما يقول الرسول: ”الْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ“.[22]
_____
[19] (1كو 13: 12).
[20] هذا التقسيم إلى محسوسات، ومتخيلات، ومعقولات، نجد أغسطينوس يقول إن الثالوث أسمى من كل هذه الفئات. نجد صدى هذه التقسيمة عند غريغويوس النيسي، راجع ضد أفنوميوس الكتاب الأول، فصل 23 (295) طبعة Brill الجزء الأول ص 126.
[21] قارن (2كو 5: 6).
[22] (أف 3: 20).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-consentius-120/three.html
تقصير الرابط:
tak.la/yws95ps