(4) لهذا السبب يحذرنا الرسول (بطرس) بأنه يجدر بنا أن نكون مستعدين لمجاوبة كل إنسان يطلب منا سببًا لإيماننا ورجائنا،[6] لأنه إذا سألني أحدٌ من غير المؤمنين عن سببٍ لإيماني ورجائي، ورأيت أنه لن يقدر على استيعابه قبل أن يؤمن، فأنا أعطيه هذه الحُجة عينها، والتي بها قد يرى كم من العبث أن يطلب تبريرًا منطقيًا لأشياء لا يستطيع استيعابها حتى يؤمن. لكن إذا سأل أحدٌ من المؤمنين عن سببٍ يساعده لفهم ما يؤمن به، فلابد من النظر إلى قدرته على أن يستمد بقدر الإمكان فهمًا كبيرًا عندما يُعطى تبريرًا منطقيًا لإيمانه؛ أعني فهمًا كبيرًا إذا أستوعب أكثر، وفهمًا قليلاً إذا استوعب أقل. لكن حتى يصل إلى ملء وكمال المعرفة، فدعه لا ينسحب من رحلة الإيمان. عن هذه الفكرة يقول الرسول: ”وإِنِ افْتَكَرْتُمْ شَيْئًا بِخِلاَفِهِ فَاللهُ سَيُعْلِنُ لَكُمْ هذَا أَيْضًا. وَأَمَّا مَا قَدْ أَدْرَكْنَاهُ، فَلْنَسْلُكْ إذن في الطريق التي بلغنا إليها“.[7]
وبالتالي إذا كنا مؤمنين بالفعل، فإننا بلغنا طريق الإيمان، وإذا لم نتركه، فإننا سنصل حتمًا ليس فقط إلى فهم عظيم للأمور غير المادية وغير المتغيرة، وهي التي لا يستطيع أن يصل إليها الجميع في هذه الحياة، وإنما سنصل أيضًا إلى ذروة المعاينة، التي يدعوها الرسول ”وجهًا لوجه“.[8] لأن البعض لديه معرفة قليلة جدًا، لكن بالسلوك بمثابرة عظيمة في طريق الإيمان يبلغون إلى هذه المعاينة المباركة جدًا. بينما آخرون، برغم أنهم يعرفون الآن ما هي الطبيعة غير المنظورة وغير المتغيرة وغير المادية، وأي طريق يؤدي إلى مسكن هذه السعادة العظيمة، إلا أنهم لا يقدرون أن يبلغوها لأن الطريق، أي المسيح مصلوبًا، يبدو جهالةً بالنسبة لهم، ويرفضون الانسحاب إلى الخدر الداخلي لهذه الراحة، والتي بنورها يُصعق عقلهم كما بضياء ساطع جدًا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(5) ومع ذلك هناك بعض الأمور التي لا نستطيع أن نمنحها مصداقية عندما نسمعها، لأننا لا نطبق إيماننا عليها، لكن عندما يُعطى تبريرًا منطقيًا لها فإننا ندرك صحتها. لذلك لا توجد معجزة من معجزات الله آمن بها عديمو الإيمان، وهذا يرجع تحديدًا إلى أنهم لا يرون تبريرًا منطقيًا لها. وفي واقع الأمر هناك أشياء لا يمكن أن نعطيها تبريرًا منطقيًا، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد سبب لها، لأن الله لم يخلق شيئًا في الكون بلا سبب. وهناك بعض أعماله العجيبة من الأفضل أحيانًا أن يظل سببها محتجبًا. وإلا فإن أذهاننا المثقلة بالإعياء قد تعتبرها بلا قيمة إذا كان لدينا معرفة بأسبابها.
وهناك آخرون وهم كثيرون ممَن يتأثرون بانبهارهم بالأشياء أكثر من التأثر بمعرفة أسبابها، وعندما لا تكون المعجزات مبهرات، لا بُد من حثهم على الإيمان بالأمور غير المنظورة من خلال العجائب المنظورة. وهكذا قد يتطهرون ويتنقون بالمحبة، وقد يعودون إلى النقطة التي غادروها حين توقفوا عن الانبهار بسبب الاعتياد على الحقيقة. في المسرح ينبهر الناس من الراقص بالحبل ويستمتعون بالعازفين. في الحالة الأولى فإن صعوبة المشهد تثير انبهارهم. وفي الحالة الأخرى فإن عذوبة الصوت تأسرهم وتنعشهم.
_____
[6] قارن (1بط 3: 15).
[7] قارن (في 3: 15، 16).
[8] قارن (1كو 13: 12).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-consentius-120/role-of-reason-in-faith.html
تقصير الرابط:
tak.la/fs7qg68