(1)
(1) طلبتُ إليك أن تأتي إلينا؛ لأني وجدتُ متعةً غامرة في موهبتك الفطرية كما ظهرت في كتبك. لهذا السبب أردتك هنا معنا، وليس بعيدًا عنا، لتقرأ بعض كتبي التي أظنها نافعة جدًا لك، حتى يمكنك بسهولة أن تسألني شخصيًا عن أي شيء لا تفهمه بشكل كامل. وهكذا من خلال شرحي وآرائنا المتبادلة- بقدر ما يمنحني الرب لأعطي ويمنحك لتستقبل- فإنك تدرك بنفسك وتصحح بنفسك أي شيء في كتبك ربما يحتاج إلى التصحيح. حقًا أنت رجلٌ يملك قدرةً رائعة في التعبير عن أفكارك، وفضلاً عن ذلك أنت تتحلى بالأمانة الشديدة والاتضاع الشديد وتستحق أن تملك الحقيقة.
لكني ما زلتُ عند رأيي كما في السابق، وهذا لا ينبغي أن يزعجك، حين نصحتك بأن تقرأ بمفردك كتبي لتضع ملاحظات على الفقرات التي تزعجك، وأن تأتي إليّ وتسألني عن كل واحدة منها. لذا أحثك أن تفعل ما لم تفعله بعد. قد تكون محقًا في أن تتردد وتشعر ببعض الخجل لفعل هذا لو أنك اخترت ذات مرة أن تفعل هذا ووجدت صعوبةً في التقارب معي. كذلك حين سمعت منك أنك تتعب كثيرًا بسبب مخطوطات غير موثوق فيها تمامًا، قلتُ أيضًا إنه ينبغي عليك أن تقرأ مخطوطاتنا، والتي ستجد أنها قليلة الأخطاء جدًا مقارنة بالمخطوطات الأخرى.
(2) لكنك تطلب مني أن أناقش بعناية وبمهارة قضية الثالوث، أي وحدانية الألوهة وتمايز الأقانيم، بحيث كما قلت أنت، فإن النور الساطع لعلمي وعبقريتي يبدد الغيوم عن ذهنك، بحيث ما لا تقدر على فهمه الآن يمكنك أن تراه بطريقة ما بعيون قلبك.[2] فلننظر أولاً هل هذا الطلب يتفق مع كلامك السابق أم لا. في الجزء الأول من نفس الخطاب الذي قدمت فيه هذا الطلب، تقول إنك وضعتَ مبدأً لنفسك مفاده أن الحقيقة (المتعلقة بالأمور الإلهية) تُستوعب بالإيمان أكثر من العقل. وتقول: ”لأنه إذا كان إيمان الكنيسة المقدسة يُحصَّل بإعمال العقل وليس بفضيلة الإيمان، فلا أحد سوى الفلاسفة والخطباء سينالون السعادة الأبدية. لكن لأن الله سُرَّ -كما تقول- أن يختار "ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ... وأَنْ يُخَلِّصَ الْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ الْكِرَازَةِ"،[3] فالأمر ليس مسألة إيجاد سبب (منطقيّ) بقدر ما هو اتباعٌ لمرجعية (سلطان) القديسين“.
انظر إذن ألا يتفق مع كلامك هذا أن يجدر بك بالأحرى أن تتبع سلطان القديسين فقط وألا تطلب مني تبريرًا منطقيًا لتفهم هذا الموضوع (الثالوث)، والذي هو قلب إيماننا. لأنني حين أبدًا في إدخالك إن جاز التعبير -في فهم هذا السر العظيم- وإذا لم يعيننا الله داخليًا، فلن أكون قادرًا على ذلك- فلن أفعل شيئًا آخر في نقاشي سوى إعطائك تبريرًا منطقيًا بقدر ما أستطيع. وبالتالي إذا لم تكن منافيًا للعقل في طلبك مني أو من أي معلم آخر ليجعلك تفهم ما تؤمن به، فينبغي عليك أن تغير مبدأك، ليس لتقلل مِن قيمة الإيمان، بل لكيما ترى بنور العقل ما تنظره الآن بالإيمان.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(3) حاشا لله أن يكره فينا المَلكة التي جعلنا بها أرقى من كل الكائنات الحية الأخرى. أقول حاشا لنا أن نؤمن بحيث لا نقبل أو نبحث عن سببٍ (منطقيّ) لعقيدتنا، إذ أننا لا نستطيع أن نؤمن على الإطلاق لو لم يكن لدينا نفسٌ عاقلة. وبالتالي إذن في بعض النقاط التي تتعلق بعقيدة الخلاص، والتي لسنا قادرين بعد على استيعابها بالعقل -لكن سنكون قادرين على ذلك في وقت ما- فلندع الإيمان يسبق العقل، ولندع القلب يتطهَّر بالإيمان بحيث يستقبل النور العظيم الذي للعقل ويحتفظ به. هذا بالفعل أمر يتطلبه العقل!
لذلك قال النبي بالعقل: ”إذا لم تؤمنوا فلن تفهموا“،[4] وبمقتضى ذلك فقد ميَّز بلا شك بين هذين الأمرين، ونصحنا بأن نؤمن أولاً لكيما نكون قادرين على فهم ما نؤمن به. وبالتالي فقد أُوصينا بشكل معقول بأن يسبق الإيمانُ العقلَ، لأنه لو كانت هذه الوصية غير معقولة، فهي متعارضة مع العقل، وحاشا لله أن يفعل هذا. لكن إذا كان من المعقول أن يسبق الإيمانُ العقلَ من جهة حقائق عظيمة لا يمكن أن تُستوعب، حتى إذا كان المنطق الذي يقنعنا بهذا ضعيفًا،[5] فهو بلا شك يسبق الإيمان بالفعل.
_____
[3] قارن (1كو 1: 21، 27).
[4] قارن (إش 7: 9) سبعينية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-consentius-120/faith-seeking-understanding.html
تقصير الرابط:
tak.la/28c34mh