المقامات الموسيقية بأبعادها ومقاييسها هي التي تشكل المذاق اللحني لموسيقات الشعوب على إختلاف طبائعهم. لذلك فالموسيقى الغربية تتميز بمحدودية مقاماتها المنحسرة مابين المقام الكبير، والمقام الصغير بنوعيه الميلودي والهارموني. والموسيقى السودانية تتميز بالسلم الخماسي الأبعاد، والموسيقى العربية تتميز بالمقامات المتعددة التي تحوي الربع تون. أما مقامات الألحان القبطية فهي بالرغم من تشابهها مع المقامات العربية في تعدد مقاماتها، إلا أنها تختلف عنها في بعض الخواص الموسيقية، ويظهر هذا الإختلاف عند الاستماع إليها، ويزداد عند تحليلها موسيقيًا. وسبب هذا الإختلاف هو وجود الميكروتون "Microtone"، وهو مايناظر "الربع تون" أو الثلاثة ارباع التون في الموسيقى العربية، ولكنه يختلف عنه بأنه يزيد بقيمة "كوما [9]Comma"، وهذه الزيادة الطفيفة في البعد الطنيني تعطي له مذاقا مختلفًا في السمع عن مثيله في الموسيقى العربية، وبالتأكيد إختلافًا جذريا عن الأبعاد الدياتونية في الموسيقى الغربية.
فمقامات الموسيقى القبطية سباعية التكوين النغمى، وتكون إما دياتونية طبيعية منتظمة Diatonic Scale كالسلالم الكبيرة والصغيرة فتكون الأبعاد بين نغمات السلم الموسيقى درجات كاملة أو نصفها، أو تكون الأبعاد بين بعض النغمات على مسافة ثلاثة أرباع النغمة، والتي تسمى بـ"البعد المتوسط". وهذا النوع من الأبعاد أوجد إمكانية تقسيم السلم الموسيقى -من الناحية النظرية- إلى أربعة وعشرين ربعًا (Microtone) مما ترتب عليه نشوء كثرة من السلالم الموسيقية متنوعة يفوق عددها المائة. ويتكون البناء الموسيقى لهذه المقامات من تتابع جنسين Guens إما متصلين أو منفصلين ببعد فاصل، وكل جنس منهما يتكون من أربعة نغمات.
وهناك تجربة لفريق من الباحثين المتخصصين في الموسيقى والكمبيوتر أثبتت أن المصريين القدماء هم اول من اكتشفوا السلم الموسيقى الخماسى Pentatonic Scale الذي استعمل في الدولة القديمة ثم طوروه مع بداية الدولة الحديثة إلى السلم الموسيقى السباعى Seven Note Scale of Amino وإن القدماء المصريين هم أول من عرف الموسيقى والسلالم الموسيقية، وان فيثاغورث قد عاش في مصر واحدًا وعشرين عامًا ينهل من علومها الموسيقية وآدابها وفنونها، بل أن الإغريق أيضًا كتبوا عن جودة وكمال الموسيقى المصرية القديمة وأن الموسيقى القبطية هي الامتداد التاريخى للموسيقى الفرعونية وهي واضعة الأصول والأوزان والقواعد لموسيقات الشعوب الأخرى.
والمقامات العربية قد أخذت الكثير من مقامات الموسيقى القبطية، وجاء الفرس فأطلقوا أسماء فارسية عليها وعلى نغماتها مثل الراست والدوكاه والسيكاه، ومازالت هذه الأسماء تستعمل حتى الآن. إلا ان هناك أحد الباحثين يدرس إعادة تسمية هذه المقامات بأسمائها الاصلية إن وُجدت، أو تسميتها باسماء قبطية بما يتناسب وطبيعة الطقوس التي تؤدى فيها هذه الألحان والمقامات.
← انظر مقالات وكتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وما يميز مقامات الألحان القبطية عن مثيلتها العربية، هو أن المقامات العربية عادة ما يتقيد فيها المؤلف الموسيقى بدرجات الاستقرار التام (على درجة أساس السلم الموسيقيTonic) والمؤقت، فتكون القفلات متوقعة، أما في المقامات القبطية فهى تعطى فرصة للتحرر من الالتزام بدرجات الاستقرار هذه، فيعطى ذلك تلوينًا وثراءً أكثر للصياغة.
وتتميز بعض الألحان القبطية بالمناورات الشديدة والإنتقالات المقامية خلال اللحن الواحد، وهذا يرجع لبراعة مؤلفى هذه الألحان من جهة ولتعدد المقامات القبطية من جهة أخرى، وفي نهاية اللحن عادة مالا يتم الإلتزام بالعودة إلى المقام الأصلى الذي بدأ منه كما هو معتاد في المؤلفات الأخرى.
كذلك يوجد في الكثير من الألحان القبطية ما يسمى بـ"الإنتقالات المقامية" Scale Transposition وهو أسلوب تغيير المقام أثناء الحركة اللحنية مثل لحن "ⲕⲁⲧⲁ ⲛⲓⲭⲟⲣⲟⲥ" وهذه الإنتقالات المقامية اقتبسها بعض الموسيقيين (أمثال سيد درويش وعبد الوهاب) من الموسيقى القبطية ليثروا بها موسيقاهم وأصبح وجود الإنتقالات المقامية بأى لحن إنما يدل على ارتقاء وسمو للموسيقى وعلى دسامة وثراء.
_____
[9] الكوما هي بعد صغير لايمكن تحديده الا حسابيًا، وهو الفارق الموجود بين نغمتين يصدران صوتا "ترادفيًا" واحدا انهارمونيا (مثل رى دييز – مى بيمول) حيث يوجد بينهما في الواقع الحسابى الرياضى فارق صغير جدًا يسمى "كوما" ومقدار هذا الفرق ناشئ من تقسيم البعد الكبير الطنينى "التون" إلى نصفين، أحدهما طبيعى (دياتونى) والآخر ملون (كروماتى). وأن النصف الملون (رى – رى دييز) يكبر النصف الطبيعى (رى – مى بيمول) بمقدار 1/9 من التون والمساوى لـ"كوما" حيث أن "نصف التون الملون" يحتوى على 5/9 من التون، في حين أن "نصف التون الطبيعي" يحتوى على 4/9 منه بهذا الفارق المساوى لـ 1/9 والمسمى بالكوما. ويلاحظة هذا الفارق الطفيف اكثر في الآلات الوترية. ويطلق هذا اللفظ على الفرق بين البعد الكبير التام (دو – رى) ونسبته طبيعيا 9/8 والبعد الكبير الناقص (رى – مى) ونسبته طبيعيا 10/9 والفارق بينهما.81/80
ويظهر الفارق بين أداء الميكروتون في الألحان المصرية القديمة ومثيله الربع تون في الموسيقى العربية عندما يلتحق أحد العازفين من فرقة الموسيقى العربية بفرقة تعزف الألحان القبطية مثل "فرقة دافيد"، فإن عازفًا ما لآلة مثل الكمان "الفيولينة" يحتاج إلى وقت يتدرب فيه على اداء الميكروتون باللحن القبطى.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/george-kyrillos/musicality-coptic-hymns/keys.html
تقصير الرابط:
tak.la/m59xbrp