←
نص اللحن
1- البُعد الطقسي للحن
2- البُعد التاريخي للحن
3- البُعد الروحي للحن
4- البُعد الموسيقي للحن
5- البُعد اللاهوتي للحن
تأمل
السمة الرئيسيه التي تميز عيد القيامة المجيد في الايقونوغرافي وفي الالحان هي "الحركة" التي تعبر عن الحياة، والحركه بين الارض والسماء والجحيم، في زخم جميل يشمل جموع السمائيين والراقدين في الجحيم، المنتظرين برجاء مجيء الفادي الذي سوف يحررهم من أسر إبليس. هؤلاء إنضم إليهم جميع المؤمنين علي مدي العصور. وهكذا يتكون هذا "الخورس" الجميل، جوقة الترنيم المفرح والبشارة، يتحركون في موكب الملك المنتصر في زفة "دورة" القيامة يرنمون ألحان القيامة المفرحة، ويقفون في التوزيع يرنمون "كاطا ني خورس"، الموكب الذي كتب عنه القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس 2 آية 14 (2 كو 2: 14):
"شُكْرًا للهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ"
ولكن متى يُقال لحن "كاطا ني خوروس"؟
في ليلة عيد القيامة وحتى اليوم التاسع والثلاثين من الخماسين المقدسة في توزيع القداس يجتمع الشمامسة ويهتفوا بصوت واحد قائلين هذا البرلكس بلحن الفرح "كاطا ني خورس"، وكلماته نصها المترجم من القبطية هو:
كل صفوف وطقوس السمائيين والأرضيين، الملائكة والناس معًا،
يرتلون بابتهاج لان ربنا يسوع المسيح
الحمل الحقيقى قام قام قام من الأموات.
وكلمات اللحن القبطية ومعانيها هي: "كاتا نى خوروس" معناها كل صفوف،
"نيم ني تاكسيس" وطقوس, وكلمة تاكسيس كلمة قبطية إتنقلت من اليونانية كما ما هي ومعناها " رتب " من الناحية العسكرية، ولها معانى أخرى زى ترتيب ونظام.
"نا نيفيئوى ومعناها السمائيين، نيم نا إبكاهى ومعناها الأرضيين.
"ني آنجيلوس" الملائكة، "نيم نيرومي" والناس، "إفسوب" معًا،
"إيف إيربسالين" يرتلون، "خين أوثيليل" بإبتهاجٍ، "جي بنشويس" لأن ربنا
"إيسوس بخريستوس" يسوع المسيح
"بيهييب إيممي" الحمل الحقيقي
"أفتونف أفتونف أفتونف" قام قام قام
"إيفول خين" من
"ني إثموؤوت" الأموات.
إن هذا الطقس البديع الذي فيه تشترك كل صفوف وطقوس السمائيين والأرضيين، الملائكة والناس معًا في ترنيمة "كاطا ني خورس" ربما يذكركم بالإحتفال بإنتصار 6 أكتوبر في مصرنا الغالية، عندما تستدعى اجهزة الدولة كل الفرق الموسيقية والأوركسترات والكورالات المختلفة: "أوركسترا القاهرة السيمفونى" و"أوركسترا وكورال الأوبرا" و"الفرقة القومية" وتحشد حشدًا موسيقىًا رهيبًا للإحتفال بهذا الإنتصار الأرضي. ويأتي السؤال: هل الأوركسترا السيمفوني وحده لا يكفي؟ هل لا بُد من كل باقي هذه الفرق أيضًا؟ فتجيب الدولة: "إنه حدث فريد إنتصار قومي، يجب أن يشترك فيه الجميع.
الحق يقال، إن حدث "القيامة المجيد" لا يقارن بأي حدث آخر في الوجود، إنه الإحتفال اللى بوق فيه رئيس السمائيين ميخائيل لذاك الذي "قتل الموت بموته" وللذى "أحيا الميت بموته" و"أبطل عز الموت وسبى سبيا" و"أظهر القيامة بقيامته". إنه إحتفال بقيامة المسيح النور الحقيقى الذي أدخل البشرية كلها إلى النور الأبدى، بعد أن كسر شوكة الموت وغلب الجحيم ونقض أوجاع الجسد وحطم سطوة الألم وبدد يأس الإنسان بعد أن كمل النبوات، وتمم أقوال الآباء الأولين، فأدخل في قلوبنا سر الفرح الحقيقى الذي لا يمكن لأحد أن ينزعه منا.
فالمسيح بميلاده وتجسده العجيب، وبموته وآلامه المحيية، وبقيامته المجيدة، "أصلح السمائيين مع الأرضيين" ووحد "الملائكة مع الناس" فلن يسبح كل منهما منفردًا منعزلًا عن الآخر، لكن الذي سيحدث هو أن:
كل صفوف وطقوس السمائيين والأرضيين، الملائكة والناس معًا،
(سوف) يرتلون بابتهاج لان ربنا يسوع المسيح
الحمل الحقيقى قام قام قام من الأموات.
هذا اللحن العريق "كاطا ني خورس" كتبت عنه بعض المخطوطات القديمة مثل "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة"- الجزء الثاني، للمؤلف إبن كبر في القرن الرابع عشر، مما يؤكد أن هذا اللحن يضرب بجذوره في أعماق التاريخ. حيث تم وضعه في توزيع قداس عيد القيامة بعد ترتيل المزمور المائة والخمسين، وبعد ذوكصولوجية عيد القيامة "توتى رون آفموه إنراشي". فهو لحن تاريخيا عمره يزيد على 800 سنة. وتسميه بعض المخطوطات بإسم "برلكس" Parallaxe وهي كلمة في المصطلح الطقسي تعني "مقطع من لحن ما يتكرر بالتناوب".
وهو في حقيقة الأمر لحن طويل يقال بلحن الفرح، وهو يحوي إثني عشر رُبعًا، وردت كلها في "الدلال المطبوع سنة 1920". وقد أورد كتاب "خدمة الشماس والألحان" الستة أرباع الأولى منه فقط. ولا يُقال منه حاليًا في الممارسة الطقسية سوى الربع الأول منه فقط. ولا يمكن تصور أنه كان يُنشد بالكامل لأمرين:
- أولا لطول الربع الواحد والذي يصل إلى نحو 6 دقائق (6x 12 = 72 دقيقة على الأقل)، فليس من المنطق أن يترنم به بالكامل في توزيع قداس القيامة بعد المزمور الـ150 (مز 150) وذكصولوجية القيامة.
- ثانيًا لأن هذا اللحن بالذات يبدأ الربع الأول منه بطبقة صوتية، وينتهي بطبقة صوتية أعلى تون. ولو إستمر الأمر هكذا فإن اللحن سوف تتصاعد طبقته الصوتية وتعلو مع كل ربع من أرباعه "تون كامل" حتى تصل إلى ما يزيد على الأوكتاف الموسيقي، وهذا مستحيل لإن المدى الصوتي للصوت البشري لن يستطيع القيام بهذا التصعيد النغمي.
وربما كانت تقال باقي الأرباع الأخرى بلحن دمج سريع، ليس به التصعيد الدياتوني هذا. ويمكن الرجوع إلى الكلمات الجميلة التي لباقي الأرباع الأخرى في كتاب "عيد قيامة المسيح مخلصنا" التاريخ الطقسي/ طقوس الصلوات للراهب "أثناسيوس المقاري" ص 273 و274. فهي بالحقيقة جميلة، وتنتهي جميعها بالمرد:
"لأن ربنا يسوع المسيح الحمل الحقيقي، قام قام قام من الأموات".
يبدأ هذا اللحن الروحاني بالجملة الجميلة "كل صفوف وطقوس السمائيين والأرضيين، الملائكة والناس معًا، يرتلون بابتهاج".
فما هو هذا الأمر الذي يستدعي إن كل صفوف وطقوس السمائيين والأرضيين يشتركوا معًا في تسبحة عظيمة؟ ولماذا هذه التسبحة وهذه الأنشودة تكون في توزيع قداس عيد القيامة وفي الخماسين المقدسة؟
حقًا هناك حدث غريب، لم يحدث من قبل منذ أبينا آدم وحتى هذه اللحظة. أن مسيح قوى إله عظيم أنتصر على الموت، حقًا إنها هزيمة حقيقية ساحقة للعدو الشيطان. بعد أن كان هناك موت مؤكد، حزن وصراخ ووجع وجحيم، الآن:
"الْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ" (رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 4).
ولكن يبقى السؤال: وهل صفوف وطقوس السمائيين بجموعها الغفيرة وأجنادها السمائية غير كافية؟ هل لا بُد من الأرضيين أيضًا؟ نعم لا بُد من صفوف وطقوس الأرضيين أيضًا، فنحن نرنم في القداس الإلهي:
“الذي أعطى الذين على الأرض تسبيح السيرافيم"
ونقول:
"ثبت قيام صفوف غير المتجسدين (الملائكة) في البشر" (بين البشر)
هل من المنطق بعد ما يضع الله في افواه الذين على الأرض تسبيح السيرافيم، نقول "فلنكتفى بتسبحة السمائيين"، أم نشاركهم في تسبحة الغلبة والخلاص؟
ولكن يأتي سؤال آخر: هل يوجد ملائكة أرضيين.. بالطبع يوجد
فقد قيل عن يوحنا المعمدان:
"ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى الذي يهيئ طريقك قدامك" (مرقس 1: 2)
وقيل في سفر الرؤيا عن رعاة الكنائس السبعة التي في آسيا:
"أكتب إلى ملاك الكنيسة التي في فيلاديلفيا.."
وكُتب عن أستفانوس عندما شخص اليه جميع الحاضرين: "وإذا وجهه كملاك".
لذا فهناك ملائكة أرضيين، وأمثال هؤلاء يمكن لهم أن يشاركوا الملائكة السمائيين ليذوبوا معًا "إفسوب" فيشتركوا في إنشودة القيامة "كاطا ني خورس". ولكن هل كل من سيشترك في هذه الأنشودة يجب أن يكون من الملائكة السمائيين أو الملائكة الأرضيين فقط؟
كلا وألف كلا، فاللحن يقول: "الملائكة والناس"، أي ناس، كل الناس وُهب لهم أن يشتركوا في هذه الترنيمة إن أرادوا أن يذوقوا أفراح القيامة. لم يحدد طبيعة أو مواصفات هؤلاء الناس، سوى أنهم معًا "إفسوب" سوف يشتركون مع الملائكة في هذا اللحن "كاطا ني خورس".
إننا من أجل ذلك نصلي كل يوم وبعد الأواشى في باكر:
"فلنسبح مع الملائكة قائلين المجد لله في الأعالى".
فهو إشتياق قلبنا أن نطلب من الله كل يوم أن يعطينا أن نسبح مع الملائكة، والآن قد أعطانا لحن "كاطا ني خوروس" لكي به نسبح مع الملائكة، فهل نسبح أم نتوانَى؟
← انظر مقالات وكتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لحن "كاطا ني خورس" لحن بديع من الناحية الموسيقية، فريد من الناحية المقامية، فالذي صاغه هو متمكن من ناصية المقامات، يعرف أسرارها، وهو يبدأ من مقام بياتي على درجة الدوكاه (رى)، وينتهي بمقام بياتي على درجة البوسليك "مي طبيعية"، وأما فيما بين هذين المقامين فهناك عدد من التحولات المقامية العبقرية التي تقودنا إلى هذه النهاية العجيبة لنفس مقام البداية لكنه مرتفع لأعلى ب "تون" كامل.
والكثير من الشباب يعرف هذا النظام في بعض الأغانى عندما يلجأ المؤلفين الموسيقيين إذا أرادوا للحنٍ ما أن يلمع ليُحدث تأثير قوي لجذب إنتباه السامعين قبل نهاية الأغنية، فيقوموا برفع المقام الذي بدأوا به اللحن تون أو نصف تون، ثم يُنشد نفس اللحن مرفوعًا لأعلى، فيلمع ويصير أكثر بريقًا فيجذب إنتباه الشباب الذي كان يمكن أن يقدر له أن يمل من الأغنية لو استمرت على نفس الوتيرة النغمية.
الحقيقة أن هذا الأمر وهذا النظام إذ له فائدة في شد اللحن ولمعانه وتأكيد جمله الموسيقية قبل نهاية الأغنية، إلا أن له تأثير مفاجئ على الأذن، لأن التحويل بين المقامات الموسيقية له قواعد معروفة، وكسر هذه القواعد بالتحويل المفاجئ يكون ليه تأثير سلبي على الأذن.
أما مؤلف لحن "كاطا ني خورس" البارع والروحاني، فقد قام بعمل هذه التحويلة العنيفة بذكاء موسيقى حاد، فإستطاع أن يسرق الأذن دون أن يشعر المستمع بذلك التحويل، وبالتدرج يجد المستمع نفسه في المقام الجديد.
حقًا إن "كاطا ني خوروس" يعتبر لحنًا من أجمل ألحان الكنيسة القبطية ويحمل بين أطيافه عبقرية موسيقية يمكن لموسيقيين عالميين أن يتعلموا منها كيفية شد ألحانهم وتلميعها بطريقة ذكية غير فجائية ولا تحمل بين أطيافها سذاجةٍ موسيقيةٍ.
ويأتي السؤال: هل هذا اللحن "كاطا ني خورس" هو لحن تعبيري؟.. هل تُعبر نغمات اللحن عن كلماته؟ أم اللحن في مضمونه الموسيقي هو مجموعة نغمات مرصوصة؟
اللحن من بدايته وتظهر فيه بهجة القيامة، والجزء الأول منه يتم إعادته مرتين. والإعادة هنا منطقية فكأنها مرة للسمائيين والتانية للأرضيين، مرة لصفوف وطقوس الملائكة السمائيين والثانية لصفوف وطقوس الملائكة الأرضيين وكل الناس، يعاد مرتين فقط وليس ثلاثة. ولأن اللحن هو للملائكة والناس معًا "إفسوب" لذا فهو ليس لحن للمرابعة بطريقة الأنتيفونا التقابلية، فهو ليس كالـ"هيتنيات" التي ترتل في قداس الموعوظين قبل قراءة البولس القبطي بطريقة "الأنتيفونا" بين خورس بحري وخورس قبلي، وليس كلحن القوة والمجد "ثوك تي تي جوم" الذي يرنم في الساعة الثانية عشر يوم الجمعة العظيمة بطريقة الأنتيفونا أيضًا ولكن بين خورسين من الشمامسة، الأول داخل الهيكل، والخورس الثاني مع الشعب خارج الهيكل. لكن هنا في لحن كاطا ني خورس يجب أن يرتل الجميع معًا "إفسوب" ذلك لأن:
كل صفوف وطقوس السمائيين والأرضيين، الملائكة والناس معًا،
يرتلون بابتهاج لان ربنا يسوع المسيح
الحمل الحقيقى قام قام قام من الأموات.
وعندما يأتي في هذا اللحن التعبيري كلمة إبكاهى "الأرضيين" نجد أن النغمات تتقهقر إلى أسفل وكأن اللحن بيوضح بالتعبير بالنغمات أنه فعلا نزل لكى يعطى الذين على الأرض تسبيح السيرافيم.
ألم يقل "طأطأ السموات ونزل والضباب تحت رجليه" (مزمور 18) نزل إلى تواضعنا ليصعدنا إلى عرش نعمته. لذا بعد النطق بكلمة إبكاهى "الأرضيين" يحدث في اللحن توقف، وينتابه حالة من الدهشة النغمية.
وبعدها يبدا اللحن الجزء الثانى من اللحن، جديد في كل شيء يتغير فيه الميزان الموسيقى والسرعة اللحنية، وطبيعة التأليف الموسيقى تأخذ شكلًا آخرًا. وكأن اللحن يريد أن يركز Focus على ما هو آتٍ. الحدث الجديد وهو أن "الملائكة والناس معًا" "ني أنجيلوس" الملائكة، "نيم ني رومي" والناس معا "إفسوب" سوف يرتلون بإبتهاج. أليس من الطبيعي أن يتغير هنا الميزان الموسيقي والسرعة اللحنية؟ أليس هذا مفهومًا روحيًا جديدًا؟ أن "الملائكة والناس معًا" سوف يشتركون في أنشودة واحدة جديدة.
ما من شك إن هذه الجملة الموسيقية "ني أنجيلوس نيم نيرومي إفسوب" هي جملة إعتراضية، لكنها جميلة، لأن بعدها يحدث توقف لحظي على بداية كلمة "يرتلون" "إيف إريبسالين"، التي عندها يتغير من مقام يدور في دائرة البيمولات (الخفض) إلى آخر يدور في دائرة الدييزات (الرفع) تحول مقامى يفيض بالذكاء الموسيقى وتوقيته مناسب تماما، لأنه من الطبيعي عندما يبدأ الملائكة والناس معا أن "يرتلوا بابتهاج" أن ذبيحة التسبيح تصبح لها قيمة أكبر واعلى، أليس مكتوبٌ: "لذتى في بني آدم".
وهذه الجملة الموسيقية غير إنها تعلو موسيقيا في مقامها وبشكل سُلمي، إلا أن لها شخصية موسيقية متميزة، فهي جملة تقفز فرحًا عند كلمة "ثيليل" ومعناها "إبتهاج". هل من الممكن أن يكون كل ذلك مصادفة؟ كل هذا التوافق يكون مصادفة، بالطبع لا، لإن هذا الأب القديس اللى صاغ هذا اللحن كان يعيش ويشعر بكل كلمة يقوم بتلحينها حتى وإن لم يكن يقصد أن يعبر عن كل كلمة بشكل حرفي.
بعد ذلك يجئ ميعاد المرد "جى بنشويس ايسوس بخريستوس" ومعناه "لأن ربنا يسوع المسيح".. "بهييب إممى" ومعناها "الحمل الحقيقي". هذا المرد الجميل الذي يُقال مرتان بجملة موسيقية جديدة تنتهى بكلمة "افطونف".
إن كلمة "أفطونف" هي مضمون اللحن، غاية اللحن، محور اللحن ومعناها "قام" لذا فهي تتكرر ثلاث مرات. أول مرتان يتم ترنيم "افطونف" بنفس الصياغة اللحنية بشكل ميليسمي إنسيابي بنغمات تدعو للطرب الروحاني. وفي المرة الثالثة تُرنم "افتونف" بلحن يعيدنا إلى لحن البداية "كاطا ني خورس" بنفس الشكل الإيقاعي وبنفس السيكونس الموسيقي sequence، ولكن أعلى تون، ولكن ليس بشكل مفاجيء مثل الترانيم والأغاني التي تلجأ إلى تصوير اللحن تون أعلى فجأة من أجل تحقيق مود أقوى يشد الأذان وينبهها.
والحقيقة هنا إن موضوع رفع تون له أهمية كبيرة:
- أولًا: للتركيز على كلمة "أفتونف" ومعناها "قام" والتي تم إعادتها ثلاث مرات وهي الكلمة المحورية في لحن القيامة "كاطا ني خورس" ويُلاحظ أنه لم يتم التركيز على "من الأموات" "خين ني إثموؤوت" التي جاءت في نهاية اللحن بشكل خاطف وسريع، فالموضوع الأساسى هو القيامة وليس الموت. ويُلاحظ إن كلمة "موت" باللغة العربية من أصل قبطى هو "إثموؤت".
- ثانيًا: لكي يُثبت في القلب لحن البداية بإن يتم إعادته مرة ثانية كما هو بعد أن تم رفعه لأعلى تون كامل ليتناسب مع الكلمة " قام".
- ثالثًا: أنه تم عمل حبكة فنية وذلك بربط أول اللحن بآخره، حتى يظل صدى اللحن يتردد داخل قلوب المسبحين.
الحقيقة إن لحن "كاطا ني خوروس" هو لحن جميل عريق في صياغته الموسيقية، معبر عن المعانى الروحية اللى به، وعن القيامة، ومبهج لكي يعبر عن أفراحها، ومحبوك فنيا وبذلك يكون أكتملت فيه كل العناصر والمواصفات التي تجعله لحن القيامة المجيدة.
يذكرنا طرح الساعه التاسعه من يوم الجمعه العظيمه بهذه الجمل المعبرة عن القيامة:
"من يسبق ويهيئ الطريق امام الملك
من يبشر المسبيين بالذي ذاق الموت عنهم"
من أجل هذا رتبت الكنيسة تمثيلية القيامة لتصور الملائكة التي سبقت لتهيئ الطريق قائلةً:
"افتحوا ايها الملوك ابوابكم وارتفعي ايتها الابواب الدهريه
ليدخل ملك المجد،الرب العزيز القوي الجبار القاهر في الحروب هو ملك المجد"
لتبدأ بعدها زفة وموكب نصرة القيامة. فالقيامة "أناستاسيس" هي كلمة غريبة على البشرية، ليست ضمن كلمات بني آدم. إنها فعل غير أرضي، وليست له علاقة بتراب الأرض، ولا بأي خليقة تدب على الأرض.
"قَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يوحنا 11: 25)
إن قيامة السيد المسيح قد أعلنت لاهوته، إذ لم يقم بدعاء آخر، أو بصلاة التلاميذ، ولا قام ضعيفًا يحتاج إلى من يحل له الأكفان ويفكها كلعازر، ولا إحتاج طعامًا ليتقوى كإبنة يايرس، ولا وجدوه خائرًا من آثار الصليب يطلب من يداوي جراحه، لكنه قام بقوة وجلال عظيمين. قام وجراحه باقية كما هي، وجنبه مفتوح، شهادةً لسلطان الحياة التي فيه، وأن حياته إبتلعت الموت إبتلاعًا "أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية" (كورنثوس الأولى 15: 55).
ولإن الإفخاريستيا هي غذاء القيامة ودواء الخلود، لذلك فالكنيسة رتبت في قداس عيد القيامة أثناء تناول الإفخاريستيا، أن يرنم الشمامسة لحن "كاطا ني خورس" في التوزيع.
ومن أجل هذا يقول القديس بطرس:"بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ" (رسالة بطرس الأولى 1: 19). لذلك فكلمات لحن "كاطا ني خورس" تحمل هذه الصفة الهامة للسيد المسيح وهي انه "حمل حقيقي" وبلا عيب. فهو الذي قال عنه يوحنا المعمدان "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ". يرفعها على الصليب بدمه، ويدفننا بموته الذي أبطل عز الموت، ويحينا بقيامته.
إن التعبير "الحمل الحقيقي" هو مرتبط ارتباط وثيق بالفصح.. البصخة (The Passover)، بعبور الملاك المهلك عن شعب الله، والانتصار علي الموت، ولكن حمل الفصح كان رمزًا لـ"الحمل الحقيقي" الذي هو الرب يسوع المسيح. وكما هو مكتوبُ في (سفر الرؤيا أصحاح 5: 6):
"وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ،
لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ."
فكيف يكون "مذبوح" ويكون "قائم"، إنه حي يحمل اثار جراحاته الشافية مذبوح، ذُبح وإشترانا بدمه ودمه اعطانا الحياة. وهذا ما نلاحظه في بعض ايقونات القيامه يصورون الرب يسوع كحمل يحمل راية الانتصار.
و يقول القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين (عب 13: 20):
"وَإِلهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ".
فهذا هو عهد الحياه بدم الحمل الحقيقي لذلك إختارت الكنيسة لحن "كاطا ني خورس" الذي يحمل التعبير اللاهوتي "الحمل الحقيقي" ليرنم به وقت التناول يوم عيد القيامة المجيد. لكي نجتمع في مشهد سماوي امام "الحمل الحقيقي القائم كأنه مذبوح" فنرتل كالذين رآهم القديس يوحنا اللاهوتي:
"وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ،
لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ" (رؤ 5: 9)
إننا نعلن نصرتنا فيه وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت.
إن كنيستنا الأرثوذكسية المجيدة تدرك بحاسة لاهوتها المرهفة أن المسيح أخضع نفسه للموت، مع أنه غير خاضع له البتة. وفي الإفخاريستيا (التناول من الأسرار المقدسة - في التوزيع في القداس الإلهي) تبتدئ القيامة أن تأخذ أوضح صورة لها، فنحن نأكل الجسد السري، فنأكل الحياة التي فيه، أي نأكل القيامة، نأكل الجسد الإلهي والدم الإلهي اللذين هما مأكلُ حق ومشربُ حق، والحق هنا أي "الأليثيا" وهو شيء يفوق الحواس وحدود العقل. و"الأليثيا" هنا هي المسيح ذاته "أنا هو الحق".
يا إلهنا القائم المنتصر، ليت أفراح قيامتك تُدحرج الحجر الجاثم على صدورنا، ثم يأتى هذا اللحن المبهج المرتفع "كاتا ني خوروس" فيجعلنا نصعد إلى علوك في مسكنك المستعد لنشترك مع خورس وطغمات وطقوس وصفوف الملائكة ليس في أنتيفونا تسبيحية أو في مقابلة ترنيمة، بل (إفسوب) "معا" نشترك لنقدم ذبيحة شكر لأنك صالحتنا مع السمائيين ولأنك صالح وإلى الأبد رحمتك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/george-kyrillos/metacopt-hymnology/kata-ni-khoros.html
تقصير الرابط:
tak.la/gcxqm69