ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم.
وفيما كانوا يشخصون الى السماء وهو منطلق اذا رجلان قد وقفا بهم بلباس ابيض.
وقالا ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا الى السماء.
(أع1: 9-11)
من أروع عبارات الإنجيل قاطبة، بالنسبة لي، هي قول القديس يوحنا في مستهل إنجيله: “الكلمة كان نحو الله” πρὸς τὸν θεόν. إنّ إعلان الإنجيل عن الله يمكن أن يكون تعبيرًا عن تلك الحقيقة. فالابن نحو الآب في علاقة أقنوميّة فريدة، ولكنه ليس نحو الآب كتطلُّع لمثال أعلى، ولكنّ الـ“نحو” هي تعبير عن العلاقة المتحرّكة بين أقانيم الثالوث. إن كون الابن نحو الآب يجعل من الآب نحو الابن والروح القدس نحو الآب والابن. العلاقة جسّدها روبيلوف في أيقونة الثالوث الروسيّة الشهيرة، في شكل الملائكة الثلاث، الذين يتطلّعون بأعينهم نحو بعضهم البعض.
إنّ الصعود يُفهم من تلك الحقيقة، أنّ الابن نحو الآب. فالصعود هو تعبير عن الحالة الأصليّة من العلاقة التي لم يدركها البشر؛ علاقة الحب المتبادل بين الثالوث. الابن يصعد إلى الآب، أو بالحري يُرفع إلى الآب lifted up لأنّ الابن كائن عند الآب منذ الأزل، وباقٍ معه إلى الأبد. فالوجه المنظور للعمل الخلاصي قد تمّ، وينبغي أن يتمّ الإعلان عن اكتمال العمل من خلال صعود المسيح وهو حامل طبيعتنا البشريّة المفتداة والمُقدَّسة في جسده الإلهي.
إنّ الصعود من هذا المنطلق هو حلقة من حلقات العمل الخلاصي؛ فما قد تسلّمه المسيح، طبيعة خاطئة، يرتفع به إلى الآب طبيعة مُبرَّرة متجدِّدة، في ذاته. كانت الذبائح في العهد القديم تُصعد من على مذبح المحرقة، أي أنّ دورة التطهير لا تنتهي عند الذبح ولكن عند الإصعاد، إذ يشتمها الله رائحة رضى، فيعفو. رائحة ذبيحتنا كانت عطر المسيح الذكي الذي يجد فيه الآب كمال عبق الحبّ، فهو الحبّ المُتجسِّد، ليرفعنا إلى ملء الحب في شركة الثالوث.
من آمن بالمسيح وقبل شركته، دخل في جسده الصاعد إلى الآب، ومن ثمّ صار معروفًا لدى الآب من خلال الابن، إذ يرى انعكاس صورة المسيح فيه، فيصير مقبولاً على الفور.
إنّ صعود المسيح هو تعبير عن “نحو الله” التي نقلها لنا القديس يوحنّا عن الروح. إنّه يصعد بنا ومن أجلنا، ويعطينا إمكانيّة الصعود إلى الآب، وبل ويهبنا تلك الحركة الديناميكيّة، في ذاته، والمعبّرة عن حركة الملكوت في قلوبنا. حينما تجسَّد المسيح، كان يستهدف تلك اللّحظة التي يرتفع فيها بالبشريّة إلى الآب. الصعود هو تعبير عن محبّة لا ترضى أن يبقى الإنسان أسير الأرض أبدًا، يدور في فلكها ويتدثّر بترابها عند الممات.
لذا فإنّ أي عمل إنساني إن لم يتمّ إصعاده إلى الآب لن يكون مقبولاً كقوّة ملكوتيّة مالكة على قلب الإنسان وفاعلة فيه. الصلاة إن كانت تعبيرًا عن ذواتنا وليست صعيدة حبّ واحتياج للآب صارت كذبيحة لم تُقدَّم على المذبح -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- أي أنها صارت حيوان مذبوح لإطعام الجسد لا أكثر ولا أقل. والحبّ إن لم يكن صعيدة صار ملمحًا اجتماعيًّا يدور في فلك المقايضة والمبادلة والاحتياج المقابل، وفقد شرط اللاشرطيّة في الحبّ، ومن ثمّ تحوَّل إلى تبادل للمنافع الوجدانيّة.
آخر ما قاله المسيح قبيل صعوده أنّ تلاميذه سيشهدون له، حينما يقبلوا الروح القدس، في كلّ مكانٍ من المعمورة. أوليس إعلان المسيح يستهدف دفع العالم نحو الله أو بالأحرى صعوده نحو الله. من صعود المسيح نقبل رسالتنا أن نصمد كنور في العالم آملين وعاملين من أجل صعود العالم نحو الله في المسيح يسوع..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-seraphim-al-baramosy/a/towardgod.html
تقصير الرابط:
tak.la/s68bs8f