يتكلم رجال الله مسوقين (محمولين) بالروح القدس (2بط 1: 21) (ليتكلموا عن الله)...
وقد تأملنا سابقًا كيف كان معلمنا بولس الرسول محمولًا... مُنقادًا... مُساقًا بالروح القدس، فكتب رسالته لأهل رومية وكان فكره السائد فيها عن الروح هو السلوك بالروح... وأما هنا في رسالته الأولى لأهل كورنثوس فهو يركز على عمل الروح...
فكتب يقول: "كلامى وكرازتى (أفكارى الإيمانية... وشهادتى الحقيقية) لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة" (1 كو 2: 4).
وطبعًا هذا يرجع إلى تمتعه بالقداسة والطهارة والحب... فكان كلامه بعمل الروح يدخل يجدد ويجذب القلوب بقوة إلهية، ممسوح بنعمة روحانية، يكشف عن حقائق سامية وتدابير سمائية، يشير للمصلوب المسيا بعجائب ومعجزات سواء في لقاءاته الفردية أو العائلية أو أحاديثه العامة... ببرهان الروح أى بسلوكه الروحى وعمل الله معه، فتحدى تيار الفلاسفة السائد القائل كيف يموت الإله؟! فكان كلامه: إن قلنا أن الفيلسوف مات فهل تموت معه الفلسفة؟! طبعًا مات جسده ومازالت فلسفته قائمة، هكذا مات جسد المسيح البشرى ولم يمت لاهوته المتحد بناسوته... وكانوا أيضًا يقنعون البسطاء أننا من الممكن أن نعبر المحيط العظيم بدون مركب أو قائد. وهذا فكر عالٍ صعب جدًا ومستحيل، كيف نعبر من هذا العالم إلى السماء بدون مركب؟! فأشار أن المركب هي الكنيسة التي فيها جسد المسيح، وقائد السفينة هو الروح القدس الذي يعبر بكل المتعلقين به و...
* تفاعل مع عمل الله: فلم يقدر أن يصف سر مجده الأبدى إلا بآية من سفر إشعياء (إش 64: 4) فقال: "ما لم تراه عين (لأن عمل الروح ليس له لون بحركة مميزة) ولم تسمع به أذن (حيث ليس له صوت بضوضاء يجذب الأذن) ولم يخطر على بال إنسان" (1كو 2: 9) (بل الإنسان يصعد بنعمته بفكره إليه) لأنه من هو هذا الذي يقدر أن يسمع أو ينظر الموجات التي للإذاعه بدون جهاز (شاشة) ليتجسم فيهم؟! هكذا من يقدر أن يتفاعل مع الروح القدس بدون أن يصير روحانى... نقى... حساس... قد تسامى عن الأرضيات ليرى السمائيات..
* بالروح عرف سر الله: فتكلم بجرأة عنه بما فعله: "فأعلنه الله لنا (نحن المؤمنين... المنتظرين... المستعدين...) بروحه؛ لأن الروح (الذي فينا) يفحص كل شيء حتى أعماق الله (1كو2: 10) بما أن الإنسان بروحه يعرف أعماقه ونياته وأسراره: إذا بروح الله الساكن فينا نعرف أعماق الله أو على الأقل يعلن لنا حكمته والخطوط العريضة بين العهدين، نتمتع بالنبوءات وأسرارها ومقاصدها وقوة خلاصها وأشياء أخرى خفية... حاضرة ومستقبلة. وهذه هي قوة عمل الله إذ يصيرنا: روحًا نقية لنفهم الأمور الروحية! وكل من قدسه يتهيأ للتجاوب معه ويفهمه!
* عمل الروح رفعه لفكر الله: "قارنين الروحيات بالروحيات" (1 كو 2: 13) من يدخل في هذه المقارنات يجب أن يتحدى ويتعدى عقله وقلبه وأعماقه، ولا يحبس عواطفه ومشاعره وتحركات روحه، ليتدرج ويعمل ويتعامل مع روح الله... فإنه أعطانا روحًا لتتواصل مع روحه، وعقلًا فهيمًا ليتقبل منه عونًا... وعينًا روحية جميلة لترى بنوره جماله فتدخل إلى حجاله وتسمع بالأذن الداخلية آنات حبه... فيقدر مثلًا أن يفهم قصة يونان وما قاله المسيح وأشار إليه ويغوص في حبه... أو يسمع ويقرأ عن سارة العاقر التي في سن التسعين عامًا أنجبت ضحكًا (إسحق) الذبيح... ويفهم عمله مع العذراء البتول التي قدمت لنا الذبيحة الحقيقية.
* ملاحظة: المسيح بنفسه دعى بولس الرسول، والروح قال: "إفرزوا لي بولس للعمل معى" (أع 13: 2) وبولس قال: " بالله أوجد وأحيا وأتحرك... (أع 17: 28).
معنا بعمل روحه وبنعمته يسندنا ويقوينا ويرشدنا لخلاصنا... معنا بعمل روحه ومواهبه لبنيان كنيسته وخلاص شعبه. النعمة لمن يطلب والموهبة لمن يستحق! الأولى لخلاص الإنسان والثانية للبنيان وكلاهما متلازمان لا يفترقان.
* "أما من جهة المواهب الروحية أيها الأخوه فلست أريد أن تجهلوا أمرها" (1كو 12: 1) فمن عنده موهبة الإيمان (1كو 12: 9) ليثبت إخوته في كل أوانٍ أثناء الضيق والأحزان، أو لحراسة طيش الشبان أو لرفع أنظارهم لرب الأكوان. وهذا هو من صميم عمل الروح في الخدام.
* لأنه "ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس" (1كو12: 3) هو يعرفنا عليه ويشجعنا للصلاة إليه فتكثر معرفتنا به... وحينما تكثر المعرفة يزاد الحب ويزاد النقاء، فيعلن عن شخصه وعمله وغايته بمواهبه...
* "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد" (1كو 12: 4) وإذا كانت توجد فوارق في المواهب فلا يوجد فارق في الواهب، هو الذي يعمل كل شيء في جميع الناس. راجع رسالة بولس الرسول الأولى لأهل كورنثوس (1كو 12: 4 - 6) فهو روح الله... روح محيى (الحياة في الابن) هو القوة الضابطة لكل الخليقة (لأنه روح الآب)
* يعمل معنا روح الله بالمحبة، ويعطينا أن نفسر كلمته بروحه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ويؤكد لنا معلمنا بولس في رسالته (1كو 14: 1 - 16) أن عطايا الله لا تعبر عن حبه وإنما حب الله يُظهر عطاياه... أقصد أننا لا نسعى وراء إقتناء المواهب لأنه يهبها لمن يستحق أو لمن يعمل بها للمنفعة، وربما لا تعبر عن إرضاء الله(لأن فيها إرضاء للذات وكبرياء)...وقد قال المسيح عنهم: "إذهبوا عنى يا ملاعين؛ لأنى لا أعرفكم" (مت 25: 41) بينما الذي يحبه الله يرفعه بعد الموهبة مثلما رفع العذراء من التراب.
* عمل الروح القدس فينا: يختلف من واحد لآخر فهو مثل المطر الذي هو بعينه ينزل على كل العالم ولكنك تراه في السوسنة أبيض وتنظره على الوردة أحمر ويصير ألوانًا كثيرة متباينة على أطياب متنوعة. وأيضًا ينزل على البذرة فتنبت (الشرير فيتوب) وعلى البراعم فتنموا (التائب فيجاهد) وعلى الثمرة فتنتعش وتحيا (المجاهد فيثبت).
* عمل الروح ليس له بداية لأنه كائن في الابن منذ البدء ويصدر وينبثق من الآب الأزلى، ولكننى لا أتمتع به إلا إذا صليت: بالروح والذهن (1كو 14: 15) الذهن لا يقدر أن يصلى بالروح إلا إذا إلتهبت أعماقى بالحب، فيسحب ذهنى لكل لفظةٍ ويدرك ما يقال، ولو حمل قلبى نفس المعنى الذي أتلوه فحينئذً يقبل منى ربى ويرتفع قلبى وقلوب أخوتى للسماء.
كانت إنسانة طبيعية مثلنا، وبعمل الروح القدس صارت روحانية تفوق كل جنسنا، كما يقول بولس الرسول: "لكن ليس الروحانى أولًا بل الجسدانى وبعد ذلك الروحانى" (1كو 15: 46)
أولًا: خلق الله الأرض قبل الثمرة ولكنها ليست في قيمة وعظمة الثمرة...
* الأرض أخرجت تنهد وتعب، والثمرة أعطت بهجة وحياة... أقصد الجسد النفسانى في تعب وحزن وتنهد حتى يأتى جسد روحانى فرحان به حياة.
* ولهذا وقف النبي متعجبًا منبهرًا متأملًا وكتب: "من ثمرة بطنك أضع (أجلس) على كرسيك (مز 132: 12).
ثانيًا: إذا كان الميلاد الطبيعى يتم خلال جسد خاضع للأهواء فالميلاد الثانى من السماء بقوة وعمل إلهى... خلال هدوء الروح وسلام الجسد البشرى.
فعندما بشر الملاك أمنا البتول: صمت الدم، ودهش الجسد، وسمت الروح والأفكار، واستراحت الأعضاء، ونامت العذراء وآمنت ليتم ما قيل بالأنبياء، فغاصت في أسفارهم، وانكشف لها مقاصدهم، وأخذت بالروح قوتهم، وبعد أن أكملت فضائلهم... لبس الخالق جسدًا (ثوبًا منها) حتى يمكنه أن يهب لنا جسدًا روحيًا سمائيًا... فإن كان آدم الأول من التراب فآدم الثانى من السماء.
* فبهذا نفهم عمل الروح فينا، فبعد أن يولد الإنسان من التراب وينسحب تدريجيًا للسماء ينسلخ من وسط الشرور جسمانيًا ويصير صالحًا روحانيًا. عندما يُطعم في جسد المسيح بتجديد مستمر يكون له جسمٌ خاضعٌ لعمل الروح ويتحول من فساد إلى طهارة حتى يستقر ويعبر به لأحضانه الأبوية. هذه هي فرحة الإنسان عندما ينظر نفسه يعبر عن الأمور الأرضية ويعيش بنعم ومواهب وقوة إلهية وينتظر الآتى الآن الأفضل وفي الأبدية ويسعي جاهدًا في طريق حياته، كما يفرح الفلاح وهو يرى البذار تنحل وتنمو لتصير شجرة وتأتى بثمرة.
وهنا وقف الآباء الروحانيون ينظرون إلى الكنيسة فرحين قائلين: في وسطنا.
* أُناس جسدانيون يسقطون ويقومون.
* وآخرون طبيعيون بعمل الروح فيهم نموا وسموا عن الأرضيين.
* وآخرون روحانيون بعيون مفتوحة ينظرون ويتنعمون منطرحين على الأرض عابدين وسالكين.
فلا نقف عند حد التوبة والنقاء فقط، بل بعمل الروح تنفتح بصيرتنا على واهب الحياة.
ولنلاحظ: بالإيمان وحده لا نفهم عمل الروح مع إنه معنا في كل حين، وإنما يحتاج الإيمان إلى معرفة أكثر، وبالمعرفة تأتى موهبة الإستنارة للراغبين المستعدين لقبول العطية المُتأهلين المُختارين الفرحين بالرب في كل حين.
فليس كل الذين فيهم الروح يدخلون... ولا كل الذين يقولون يا رب يا رب يخلصون إنما كل من يطلبون بكل إرادتهم وفهمهم ويتفاعلون مع الروح هم ينجون!!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/spirit-acts/work.html
تقصير الرابط:
tak.la/9kbhym7