دافع بولس الرسول عن رسوليته في رسالته الثانية لأهل كورنثوس، ووجه أنظارنا لعمل الثالوث المحيي، فقال:
* "الآب قد وعدنا بوعود إلهية فائقة... والابن حقق فيه كل هذا..." وركز في هذه الرسالة على عربون الروح القدس وأعلن قائلًا:
* "إن الذي يثبتنا وإياكم في المسيح والذي مسحنا هو الله، وهو الذي ختمنا بختمه وأعطى عربون الروح في قلوبنا" (2كو 1: 21، 22).
لقد بدأ رسالته موضحًا أن الله الآب هو مسحنا وختمنا بختمه... وختم رسالته بالإبن وبنعمته بدون خلط في التمييز بين الأقانيم، بل عرَّفنا على كل أقنوم، وأيضًا الوحدة المشتركة في جوهرهم، فقال:...
* "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم آمين" (2كو 13: 14) كما نلاحظ في الآيتين: الله وهب لنا عربون الروح وبنعمة إلهنا وربنا يسوع المسيح أخذنا شركة الروح... العربون لكي يكون لنا شركة...
* ونصلى ونستدعى روحه القدوس في القداس، ونقول: "إشترك في العمل مع عبيدك في كل عمل صالح.
ومن هذه الرسالة نتعرف على ما هو عربون الروح:
* المسحة تقود للختم، وكلاهما يؤهلان لعربون الروح والتمتع بالثمار النابعة منهما... في قلوبنا.
* بعد جحد الشيطان في المعمودية وإقامة عهد مع المسيح (أى الممسوح لأجلنا) نختم (بالميرون) بمسح جبهتنا بعلامة الصليب.. وبهذا الختم يبعد بعيدًا عنَّا جنون الشرير، وإذا تجاسر واقترب منَّا يرى هذا الختم وكأنه رأى أشعة الشمس (شمس البر) فيثب هاربًا بعيدًا، وتصاب عيناه بالعمى عندما يتطلع إلى وجهنا...
* بدل الختان الذي كان هو مثال ختم في جسد الإنسان، صارت المعمودية ختمًا لبر الإيمان (رو 4: 11) وبعد الإيمان بالمسيح الغافر والديان... "إذا آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس" (أف 1: 13) كعربون (إتفاق على نوال) عطية أعظم وهى الإشتراك مع روحه في كل عمل صالح.
فلا تتأخر، تقدم إلى المعمودية لحضرة الله نفسه ليختمك ويمسحك بروحه بذاته وتنال عربون الشركة مع كلمة الله، ويحملك كمركبة للمثول في حضرة الله بهذا العربون.
* لك التصريح لتتقدم للحضرة الإلهية وسط الجيوش الملائكية والطغمات الغير المحصية...
* بدخولك المعسكر الإلهى تُحفظ وتنال الخلاص، بل ويُنقش إسمك في كتابه... وبهذا العربون تُحسب من أهل بيت الله وتنضم للقديسين وتُدعى من القطيع الصغير وتجلس (أخيرًا عن اليمين).
* بهذا العربون لك رعاية خاصة وعناية مكثفة وتتمتع بقوةٍ ومعونةٍ، ولا يسلبك المكار بسهولة، وإن صبرت للنهاية تنتقل بسلامة.
* عربون لكي ترجع إلى صورته وتكون مثله وتتقبل ملامحه وتُطبع عليك صورة ابنه، وبفعل وعربون روحه يسكن فيك بكلمته.
ملاحظة: الجندى المجاهد في نهاية حياته تُفحص أعماله وتُكشف أفكاره وتُفتح أسفاره وتُعرف أتعابه، وإذا كان قد ربح بوزناته وتفاعل بالعربون وبأمانتة يأخذ ميراثه المعد منذ إنشاء العالم.
*مجد الرسالة: "أنتم رسالتنا، مكتوبة في قلوبنا، معروفة ومقروءة من جميع الناس... أنكم رسالة المسيح (أُنشئت) مخدومة منَّا (على أيدينا) ولم تكتب بحبر بل بروح الله الحى. راجع (2كو 3: 2، 3).
* ناموس العقل (الروح) يهب كلمات حية، ويُعطى حياة، ويسجل بلسان الأبرار على قلوب الأحرار (الذين تحرروا من الخطية) لا بحبر على ورق ولا بأصبع الله (على حجر) بل بروح الله الحى تتكسر الألواح (القلوب) القاسية، وبالإيمان تُنقش في أذهان عاقلة.
هو روح رب المجد الذي يُخرج من العتقاء كنزًا جديدًا يتجدد للبسطاء... هؤلاء يتجددون يومًا فيومًا (2كو 4: 16) بمجد عربون الكلمة أفضل من مجد خدمة الموت المنقوشة بأحرف على حجر... كما كتب معلمنا بولس سائلًا متعجبًا، فقال: "فكيف لا تكون بالأولى خدمة الروح في مجد؟!" راجع (2كو 7، 8).
* مجد الكلمة: هو الذي مكَّننا وجعلنا أهلًا لنكون كُفء لهذه النعمة، وأعطانا إستحقاق أن نكون خُدَّام عهدٍ جديدٍ (عهد الروح لاعهد الحرف) "لأن الحرف يقتل ولكن الروح يُحيى". راجع (2كو 3: 5، 6) الحرف يقتل أى كلمات الناموس تقتل؛ لأنها لم تُعطِ منحة أو مساندة أو معرفة كيف ننفذ ونسلك ونخضع لأوامره...
يقتل لأنه يأمر وأنت لم تنفذ ولم تمارس. يمنع وأنت تفعل... يقتل لأنه يزيد ضمير الإنسان تأنيبًا وقلقًا وحيرةً وخوفًا من الله... يقتل لأنه يجعلنا في مصارعات مع الضمير بجهادات متزايدة بدون فائدة... يقتل لأنك لا تقدر أن تعتذر بالجهل أو بعدم المعرفة، فأنك تسلمت ناموس = رصيد في بنك بدون صرف؛ لأنه لم تُكمل بعد أوراق لإستحقاق الصرف.
* هو سلمنا الناموس (الحرف) عربون الروح ليتكلم على لساننا أو يحركنا أو يمشى معنا لفترة، وانتظر زمانًا طويلًا حتى جاء وسطنا، سلم للمنتظرين عربون الروح في القلب ليسكن ويقيم فينا...
فتسلمنا العون الإلهى والسند السمائى والعربون الأبدى لكيما كل المجاهدين والسالكين والمحبين والخائفين من الله يأخذون قوة لتتمم ما يأمر به... وهنا فهمنا أنه كان يأمر لكي نطلب عونًا... هو كان يأمر لأنه يحب أن نطيع، وعندما نظهر الضعف نتضع ونخضع ونشعر بضعف مرير! فيجعلنا نتعلق به لنأخذ، فنشكر ومن طلب منه وتأخر عليه في الإستجابة يتعلم أن ينتظر شاكرًا.
* مجد خدمة الروح: لقد تمتع موسى بمجد عندما تسلم كلمة الله على حجر؛ وكان يضع برقع ليخفى مجده عندما كان يتكلم مع الناس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولكن عندما يتكلم مع الله يرفع البرقع ويُزاد مجدًا... والآن نحن نتمتع بالرب بحرية بمجد أعظم: الرب هو روح، وحيث روح الرب هناك حرية، ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف.. ونتغير إلى تلك الصورة عينها (صورة مجد المسيح) من مجد إلى مجد كما من الرب الروح... راجع (2كو 3: 15 - 18) ولكن كما في مرآه!
أولًا: شهد يوحنا المعمدان للحياة التي أُظهرت لنا، وقال عنه: أنه فوق الجميع... ويتكلم من السماء... ومن قبل شهادته هذه فقد ختم (بصم... صدق) أن الله صادق... راجع (يو 3: 21 - 22) فيه الحياة... وأخذ منه عربون الحياة.
ثانيًا: بعد معجزة إشباع الجموع وإلتفافهم حول يسوع الينبوع، قال لهم بوضوح: "إعملوا لا للطعام البائد (الضائع: نفس الكلمة إستُخدمت... إجمع الكسر لكي لا يضيع منه شيء (يو 6: 12) = لا يبيد أو بائد وتعنى أن في الكسر هذه ديمومة وحياة) بل للطعام الباقى (الجسد والدم) الذي للحياة الأبدية الذي يعطيكم (= عطية الماء الحى (يو 4: 6)) إبن الإنسان (المسيح) لأن هذا (الجسد) الله الآب قد ختمه (يو 6: 27) ويقول الربيين اليهود (إن ختم الله هو الحق) أى كل ما هو من الله مختوم بختم الحق... فكل من يقبل المسيح (الحياة) يكون قد قبل كل الحق الذي من الله؛ لأن فيه تُكمل كل مواعيد الله الصادقة الحقيقية غير الكاذبة.
ثالثًا: صدق بولس هذا وختم وبصم أنه هو الحياة، وأعطانا عربون الحياة، لنرفع نظرنا للسماء ونعيش هنا غرباء منتظرين وطنًا في العلاء، ونحيا به نئن ونثق ونسر بالرجاء حتى ينقلنا معه ويرفع عنَّا هذا العناء، وقال: "الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا أيضًا عربون الروح" (2كو 5: 5).
فتعالوا نتذكر كلام الآباء والأنبياء والفضلاء الذين سبقونا وتلقوا دروسًا بالطبيعة الفطرية، وبذلوا حياتهم، وكسبوا وغلبوا وأخذوا واستحقوا مراكزًا مرموقة في طريق وسباق الفضيلة، وسلكوا وعاشوا ونهلوا مقدارًا عظيمًا "في طهارة، في علم، في أناة، في لطف، في الروح القدس، في محبة بلا رياء" (2كو 6: 6) لكي يخدموا ويقدموا حياتهم لأولادهم حياة عملية بخدمة مرضية منتظرين الأحضان الأبوية، بعربون الحياة أى بالمنحة المُعطاة للحياة التي وُهبت لنا منه...
تعالوا نحيا بتوبة نقية، ونسلك في طريقنا فرحين، وبالقداسة متهللين، وبخوف الله ورعدة متممين، كما قال بولس الأمين: "فإذا لنا هذه المواعيد أيها الأحباء، لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسه في خوف الله" (2 كو 7: 1).
تعالوا نسير بروح بولس وبنفس روح تلاميذه حسب فكر ربه، كما قال في رسالته وشهد لنا: "أما سلكنا بذات الروح الواحد؟ (سلكنا) بذات الخطوات الواحدة؟ (2كو 12: 18) بنفس العربون والقوة التي أخذتها من شركة الروح القدس...
* ونختم رسالتنا بشكر لمعلمنا بولس الذي أنار عقولنا بعربون الروح، لكي نتمتع بشركة الروح، ولننتبه إلى المسحة والختم والمجد والحياة المعطاة لنا، كما فازت أمنا العذراء أم النور وحَيَت وعاشت بالعربون.
بدأت حياتها مثل كل آبائها:
* بإيمان مُسلم من أجدادها، بدعوة ونعمة من ربها، فنظرت من بعيد للعربون مع أسلافها، وحيت أى عاشت برجاء إيمانها.
* فتفتحت عيناها، وغاصت متأملة منتظرة مُشتاقة، وصدقت واقتربت من المسيا المنتظر لتحمله في قلبها بكل مشاعر ووجدان وعواطف حبها.
* ففهمت كيف كان يتمشى الابن الكلمة مع آدم أبوها، وطلبت هذا العربون: هل من الممكن أن تتمشى معى؟ وكيف سار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله نقله، واشتاقت لهذا العربون: هل ممكن أسير معك حيثما توجد؟ وفهمت كيف أن نوح دخل الفلك وحفظه الرب من الطوفان، فطلبت أيضًا هذا العربون: هل ممكن ان أدخل فيك وتكون أنت حصنى وملجأى؟ ونظرت لطاعة إبراهيم أنه خرج معه وسمع كلامه بدون أن يعلم إلى أين يذهب، وكرست حياتها لطاعته، وقدمت ذاتها ذبيحة حية عقلية مرضية، وانتظرت الحمل الذي يفديها، وتعجبت: كيف صار وجه موسى يلمع ويغطى ببرقع: هل لأنه حمل لوحى العهد، أم لأنه إقترب من الله الحى؟!
* فاقتربت من الله كأنه شخص قريب منها، فاستنارت بمجد يفوق المجد الذي أخذه موسى.
* فسبحت ليس ثلاثة مرات يوميًا كطقس العبادة في الهيكل، بل سبع مرات مثل أبوها داود.
* وتمتعت بالعربون مثله، وكانت تقول: أشبع إذا إستيقظت برؤية وجهك.
* وانتظرت تحقيق كلام إشعياء وإرميا والأنبياء: متى يسكب روحه على كل البشر؟ وبهذا العربون فهمت ميعاد مجيئه بحسب كلام دانيال.
* فاستنارت بعربون روحه ورن في قلبها كلام سمعان الشيخ أبيها الذي كان يعاصرها وكان متوقعًا تعزية لإسرائيل، وكانت في قلبها تطوب تلك العذراء التي ستلد المخلص ويكون محمولًا على ذراعيها وحالًا بين يديها، وبرؤيته تمتلئ عيناها ويبيت بين ثدييها.
* فاشتعلت بهذا العربون واشتاقت من تكون؟! وطلبت من رب الكون: هل من الممكن أن يطول عمرى كما سمعان لكي أنظر أنا أيضًا وأفهم سرك، وما سوف يكون؟ وهنا دخل إليها الملاك كعادته (لأنه كان دائمًا يأتى إليها) ولكنه أضاف لسلامه كلمة الممتلئة نعمة، الرب معك. فقال: "السلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك". فقالت له: "ما عسى أن تكون هذه التحية؟ لماذا قلت اليوم الممتلئة نعمة، ماذا تقصد؟! ولماذا الرب معى اليوم فهو كان معى في كل الأيام؟!". فقال لها: "الروح القدس يحل عليكِ بل قوة الله الآب تظللك، بل تحملين على يدك عمانوئيل الله معنا، وليس معك أنت فقط ". فقالت له: "أنا أمة الرب" وعاشت خدَّامة له تحت طوع إرادته تتمتع بكلامه ورؤيته. فأخذت عربون يفوق العقل، وتمتعت أم النور بدوام المثول أمام الحضرة الإلهية، واشتركت معه في آلامه! بل هو إشترك معها وحملها وخلصها ونجاها من بحر هذا الطوفان وعبر بها وأجلسها عن يمينه.
ملاحظه في طقس مسحة الميرون: يقول الكاهن وهو يمسح المعمد بزيت الميرون المقدس (بما معناه).
1 - بإسم الآب والابن والروح القدس إستلم نعمة الروح.
2 - خذ عربون الملكوت.
3 - أدخل إلي شركة الحياة.
4 - تمتع بختم لا ينحل.
5 - إحتمِ بدرع الإيمان والحق.
* أدهنك يا (..) باسم الآب والابن والروح القدس بدهن مقدس، لتتقدس وتتكرس وتتخصص للرب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/spirit-acts/deposit.html
تقصير الرابط:
tak.la/23fydm8