قال الروح القدس... أو ما يقوله الروح... لفظة تكررت كثيرًا في العهدين القديم والجديد، وخصوصًا في سفر أعمال الروح القدس مع الرسل، وتجلت بوضوح عندما إشترك يوحنا الحبيب في الضيقة بثبات وعينه على السموات... أى إشترك في حمل الصليب، فتفتحت عينيه على الطبيب فسمع ونظر ما هو عتيد!
* أولًا: ماذا يقصد الكتاب بقوله: قال الروح؟ يقصد: قال الله... قال المسيح...
رغم عدم تجسد الابن قديمًا لكنه بروحه كان يمشى مع مختاريه، وينطق على لسان أنبيائه، ويحرك قلوب أصفيائه، ويجلس ويفسر ويطمئن أبراره الصارخين إليه. ورغم صعود الابن للسماء وانفصاله عن تلاميذه ورسله وأحبائه، مازال يعمل بينهم وبهم ويسكن فيهم، ينطق ويحرك ويدبر ويرشد ويعزى ويتكلم وينير ويفرز ويحيى ويرسل ويملأ بروحه قلوبنا وتنسكب محبته علينا ودائمًا حالل وسطنا نسمعه ونكلمه.
* ثانيًا: مع من يتكلم؟ إلا مع الأرواح: وهذا أشار إليه المسيح أثناء حديثه مع السامرية، وبعد أن تدرج معها وفتح إدراكها على المسيا وانجذبت بروحها للعبادة السمائية قال لها: يجب على العابد أن يعبده بالروح والحق؛ لأن الله روح. (يو 4: 24)
* لقد خلق الله الإنسان مكون من جسد وروح، لكي تتصل الروح بروحه ويتعامل مع الروحانيين، فيليق لنا أن نظهر أمامه بطهارة النفس والقلب والفكر الصافى من الذات واللذات والشهوات، وينفض يديه عن الأرضيات لكي يسمعه...
* الله روح... والابن روح، كما قال: الروح أمام وجهنا المسيح الرب (مرا 4: 20) فالآب والابن والروح القدس إله واحد يتفاعل ويتناغم مع الروح ذات الرأى الواحد والهدف الواحد الملتصقة بالواحد.
* الله غير منظور ولا مُدرك ولا مُحوى في مكان أو زمان. فهو روح فيجب أن نسجد له بالروح...
* ثالثًا: من يقترب من الله الروح؟ "من هو الذي أرهن قلبه (يرهن نفسه... من يجرؤ بنفسه) ليدنو إلىَّ، يقول الرب" (إر 30: 21) إلا إذا إرتفع بروحه ليخاطب الروح... يتحول قلبه كمدينة صهيون التي إختارها الرب واشتهاها ليسكن فيها (مز 132: 13، 14)
* من يقترب منه إلا بنعمته عندما يمنحه ويسمح له ويعطيه النقاء والصفاء لكي يتم اللقاء، وهذا حسب إستعداد واشتياق وجهاد وحب الشخص.
* وبما أن الموضوع صعبٌ علينا، ويحتاج لخبرة ونعمة وعشرة أفضل وأنقى نركز في بعض النقاط من سفر أعمال الرسل ونترك روح الله أن يبث فينا ما يرجوه ويسمح به وينعم به علينا... وبما يقوله الروح للكنائس (رؤ 2: 7، 11، 17، 29 و3: 6، 13، 22)
"فقال الروح لفيلبس: تقدم ورافق هذه المركبة" (أع 8: 29) نلاحظ أن فيلبس كان مملوء من الروح القدس، وظهر له ملاك وقال له قم إذهب إلى غزة (أع 8: 26) وقاده أو حمله أو أرشده إلى قرب مركبة لرجل حبشى، بعد أن سجد في أورشليم في العيد وهو راجع إلى بلده. وهنا نلاحظ أيضًا التقوى والجهاد والحب والغيرة في هذا الرجل.
* لقد جاء من بلادٍ بعيدةٍ لهيكل الرب. نراه لم يُضيع وقته حتى في سفره، بل كان مشغولًا بخلاص نفسه، ولم يتحدث مع أحد رغم طول مسافة السفر بل كان مع التوراة مع سفر إشعياء، فكان مشغولًا بكلامه مشتعلًا بأقواله.
* لقد إستوى أى كمُل في حبه، وكان ينقصه بعض المعرفة والمعمودية، فأرسل الروح القدس فيلبس في وقت مناسب جدًا بعد أن تهيأت كل الظروف.
* لقد إهتم الروح القدس بشخص واحد وأرسل له مبشرًا عظيمًا مخصوصًا، وقرب المسافات بينهم، فإن الله عينه على كل البشر منتظرًا إستعدادهم، مشتاقًا لخلاصهم...
* ونلاحظ في كلمة (فقال الروح): فقال تعبير يدل على عمل قبل الكلام، وعمل بعد الكلام، أى بعد أن إستعد الخصى الحبشى قام فيلبس ليبشر.
"وبينما بطرس متفكرٌ في الرؤيا، قال له الروح: هوذا ثلاثة رجال يطلبونك" (أع 10: 19)
" فقال لي الروح: أن أذهب معهم غير مرتاب في شيء" (أع 11: 12) لقد أعلن الله له رؤيا خاصة سمائية: رأى إناء ملاءة عظيمة بها أطعمة حيوانية، ونزع الشك منه، وكأنه يقول له: ما آمرك به أن تفعله فأفعله. أنا قد رفعت الحاجز بين اليهود والأمم. وهنا يظهر بأن الله بنفسه بدأ بإزالة الفوارق ونقض العداوة القديمة، وكأنه يشير إلى أنه قد حان وقت الحصاد، فأرسل روحه إلى تلميذه ليجمع معه.
* لقد أمره الروح (قائد الكنيسة) أن يكف عن التأمل والتفكير والتشكيك. أمره أن ينزل للعمل وسوف يقدم له التفسير في حينه... لقد صدر الأمر وسوف ترى التفسير أثناء العمل. فالتأمل مع العمل تحت قيادة الروح يكشف لنا أعماق جديدة وخبرات مجيدة.
* لقد نزل سريعًا بدون أن يعرف ماذا يفعل، وبلا شك أو ريب قاده الروح حيث يشاء هو وليس كما يشاء بطرس، فكان الروح يحركه بغير إرادته. فبقدر ما يمتلئ الإنسان بالروح يحركه الروح ويحدثه ويتمتع بقيادته وبإرساليته. لقد قاد الروح بطرس "قال له الروح: "قم وانزل واذهب معهم... أنا قد أرسلتهم" (أع 10: 20) وأما كرنيليوس جاءته رساله من ملاك لكي يستدعى بطرس إلى بيته، هنا نرى عجبًا هذا كلمة الروح وذاك أرسل له بطرس ليكلمه بالروح.
ما أروع عمل الروح، ما أحن الله علينا، هو الذي أرسل إليه رسلًا لينزل ويذهب، وبطرس بدوره أطاع وخضع وسلم وآمن بالأمر الصادر من الروح الذي كلمه لأجل رجل أممى تقى مشهود بتقواه من اليهود ومن السماء؛ لأنه يخاف الله فالله عينه على أمناء الأرض (مز 101: 6) ليجمعهم في حضنه، ويمتعهم بمعرفته، ويسكب عليهم من خيراته، ويفتح لهم باب سمواته. فكان يومًا تاريخيًا بشهود عيان ستة أفراد ذهبوا مع بطرس لينظروا ويشهدوا كيف فتح الله الباب للأمم بواسطة كرنيليوس المحب لله الجالس في حضرة الله ومنتظر مجيء رسوله هو وأهله وأصدقائه، وكيف لهذا القائد إيمان وصبر ورجاء وخضوع، كيف سجد تحت قدمى بطرس منتظرًا تعليماته وإرشاداته وتوجيهاته كما يأمره الله.
"قال الروح القدس: إفرزوا لي (لم يقل: إفرزوا للمسيح) برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع 13: 2) نلاحظ: الدعوة هي من الآب، والعمل مع المسيح.
· قال الروح هذا: بينما (الرسل و...) يخدمون الرب (يخدمون = يمارسون... يحتفلون بالأفخارستيا).
· قال هذا وهم صائمون متعبدون في جو روحى ومشتعلة روحهم بروحه.
· وكانت الدعوه موجهة لمن إرتفعوا بروحهم واشتعل قلبهم وسمت مشاعرهم ونطق الروح على لسان واحد منهم، هو أيضًا له نفس السمات مكلف بالنطق من رب السموات.
· كانوا أمام الحاضر الغائب، أمام الذبيح المنير. كانوا في السماء على الأرض وسط تسبيح القديسين والملائكة المستترين، فوضعوا الأيادي على برنابا وشاول، فكانت أول سيامة بدعوة وإختيار وإفراز بالروح القدس إذ له نفس سلطان وقوة الله؛ لأنه واحد معه في الجوهر...
"وكانوا يقولون لبولس بالروح أن لا يصعد إلى أورشليم" (أع 21: 40) تلاميذ بولس يتكلمون بالروح ويحذرونه من الذهاب إلى أورشليم.
· كان هذا في الرحلة الثالثة لبولس ورفقائه في صور، فخضع بولس ومكث عندهم سبعة أيام وفرح بثمار الروح في أولاده، وتباطأ عن سفره.
· ما أجمل أن نخضع لبعض، المعلم يسمع ويطيع تلاميذه المنقادين بالروح، مع أنه هو أيضًا مُنقاد بالروح وقد حانت ساعة رحيله عن هذا العالم... أننا محتاجون بعضنا لبعض؛ لأن روح واحد هو الذي يقود جميعنا ويؤول لخيرنا ويهبنا ثماره.
"وقال هذا يقوله الروح القدس: الرجل الذي له هذه المنطقة، هكذا سيربطه اليهود في أورشليم ويسلمونه إلى أيدي الأمم" (أع 21: 11) وهذا بعد أن أكمل بولس رحلته إلى قيصرية وهو مقيم في بيت فيلبس المبشر: "إنحدر من اليهودية نبى إسمه أغابوس، فجاء إلينا وأخذ منطقة بولس وربط يدى نفسه ورجليه، وقال هذا يقوله الروح القدس..." لقد إنحدر (نزل وجاء بسرعة) ليخبره بما أملاه الروح، جاء مخصوص من اليهودية إلى قيصرية لرسالة إلهية. ففهم بولس وخضع وأطاع أيضًا، وأقام عندهم أيامًا كثيرة، وكأن الروح القدس يقول له: تباطأ لك رسالة، وكأنه يتحرك بدقة عجيبة بالروح الذي يقوده ويقود أولاد الله.
بالطاعة نسمعه، وبالطهارة نقبله، وبالدراسة لكلامه نفهمه، وبالجلوس في حضرته نكلمه، وبالصلاة نشتعل به.
* كان إرميا فيه هذه الصفات، فقال له: قد أقنعتنى يا رب فأقتنعت، وألححت علىَّ فغلبت. فكلما صار إليه صوت الروح صار في قلبه كنارٍ مُحرقةٍ، وكلما قرر أن لا يتكلم بكلامه لا يقدر ولم يستطع السكوت، وكلما هرب من صوته قلقت عظامه وأضطرب؛ لأن في كل مره يتكلم بكلام الله يصير عارًا وسخريةً. وفي كل مرة يعده الروح: قم تكلم، لا توجد إهانة، فيذهب ويتكلم فيُحبس، فيقنعه الروح مرة أخرى: قم ثانية، تكلم لا يوجد حبس ويلح عليه الروح القدس فيذهب فيُرمى في بئر، وهكذا... ولكنه كان دائمًا فرحانًا بالعمل مع الله. راجع (إر 20: 7 - 13)
* نحن في داخلنا كنزٌ كثير الثمن يحل فينا بالمعمودية ودم الحمل. كنزٌ هو الروح القدس الذي يحتاج إلى شحن متواصل، ونشعله ولا نطفئه، ونفرحه ولا نحزنه، فيتكلم فينا ويفعل بنا إرادة الله. ما فائدة أن يكون معك موبيل غالى الثمن (ثمنه عشرون ألفًا مثلًا) ولا يوجد له شاحن!! هكذا ما فائدة روح الله الساكن فيك دون صلة بيسوع المسيح والتمتع بالينبوع ((المسموع)).
لذلك كما يقول الروح القدس: "اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب 7: 7).
اليوم إن سمعتم: من أصدقاء من أحباء من أباء... من الكتاب من الأحداث من الحياة... إن سمعتم من الطبيعة... فلا تقسوا قلوبكم فإن الروح يتحرك مع كل متحرك (حك 7: 24) الروح يقود المطيع. الروح يرشد المتواضع. الروح يتكلم مع روحك في فكرك في قلبك!!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/spirit-acts/sayings.html
تقصير الرابط:
tak.la/734tbr6