فتح إشعياء النبي حديثه عن الصليب وكشف سر الصليب وقوته حينما بسط المسيح يديه بإرادته، بالحب العملي نحو خلاص وفداء أولاده، ولكنه تعجب من غلاظة قلوب وثقل آذان وضعف بصيرة شعبه فقال:
"يا رب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب؟" (إش 53: 1)
وكرر نفس الآية القديس يوحنا في إنجيله (يو 12: 38) ولكنه كشف سراً فقال: "قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه" (يو 12: 41) لقد رآه إشعياء فقال: "لأن عيني رأتا (شاكيناه) الملك رب الجنود" (إش 6: 5) (شاكيناه = النور الإلهي أو الحضرة الإلهية، مجد يهوه) وهنا نكتشف سر القديس يوحنا، لماذا كرر الآية هنا؛ لأنه قبل وقت رأى مجده على جبل التجلي (مر 9: 1) وهنا أيضاً سمع الرب يسوع ينادي الآب ويقول: "مجدني بالمجد الذي كان لي عندك" (يو 17: 5) فسمع صوتاً من السماء هو وكل الحاضرين غرباء وأقرباء: " مجدت وأمجد أيضاً" (يو 12: 28) ولكنه لنفس السبب السابق قال بعضهم: " قد حدث رعد. وآخرون قالوا: قد كَلمهٌ ملاك!" (يو 12: 29)
* رأى إشعياء مجد الآب... ورأى يوحنا مجد الابن. يوحنا كشف سر إشعياء وبكلام أبيه إشعياء كشف نفسه والاثنان تمتعا بالمجد دون من حولهما؛ لأنه خبر صعب على الآذان ويحتاج استنارة للعيان. خبر حير كل الفهماء، إذ كيف يقول إشعياء:
* عن المسيح عبدي البار (إش 53: 13) والناموس يقول: ليس بار ولا واحد (رو 3: 10)؟
* كيف يصفه لا صورة له ولا جمال... محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع، وفى نفس الوقت حمل أوجاعنا... مجروح لأجل معاصينا... وبحُبره شُفينا.
* كيف المُخلص يُساق كشاة للذبح وجُعل قبره مع الأشرار... وسُرَّ الرب بأن يسحقه بالحزن، وفى نفس الوقت جعل نفسه ذبيحة إثم، يرى نسلاً تطول أيامه، ومسرة الرب بيده تنجح (راجع إش 53).
من يصدق هذا؟ ونفس الشيء عاش المسيح بسيطاً مُحتقراً ليس له مكان يسند رأسه، ابن يوسف النجار ومريم اليتيمة الفقيرة... كيف يكون ملكاً، والرؤساء والكهنة لم يقبلوه؟ كيف يُقيم لعازر من الموت ويقدر أحد أن يقتله؟! من يصدق هذا؟ هذا الخبر حير السمائيين والأرضيين!! كيف الغير المحدود يصير ابن الإنسان؟!
الذي يُصدق هو من استعلن له! لهذا يقول: ولمن اُستعلنت ذراع الرب؟ لم يتمتع الكل بالإعلان مع إنه قال: "نور استعلان للأمم" (لو 2: 32) أي مُتاح حتى لغير المؤمنين، ولكن يعلن الله عن ذاته... بقدر ما تحتمل خاصته. بنقاء القلب ونعمته.
* هذا واضح في قصة صموئيل المطيع... النقي... الخادم المُكرِس كل حياته للرب، ولم يدع شيئاً من جميع كلامه يسقط على الأرض (1 صم 3: 19) "وعاد الرب يتراءى في شِيلُوه؛ لأن الرب اُستعلن لصموئيل... بكلمة الرب" (1صم 3: 21).
السبب الرئيسي لاستعلان الرب لصموئيل هو طاعته لأبيه عالي الكاهن، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. رغم أنه ذهب إليه ثلاثة مرات، وعالي الكاهن يقول له: "لم أدع يا ابني. ارجع اضطجع" (1صم 3: 5 - 6) ولكن في المرة الثالثة فاق الكاهن من غفلته، وقال له: الرب فتحها عليك يا ابني غالباً هو الذي يناديك، لا تأتي إليَّ مرة رابعة. ولما ناداه الرب قال له صموئيل: "تكلم يا رب، فإن عبدك سامع" (1صم 3: 10).
تعالوا نسأل إلهنا دائماً ونصلي بلجاجة ونقول: افتح بصيرتنا لنراك ونسمعك ونصدقك!!
لمن اُستعلنت ذراع الرب؟ لمن اُستعلنت كلمة الرب؟ مَنْ فتح أفهامهم لمعرفته؟ من يصدق هذا الخبر؟ من يصدق خبر الإنجيل؟!
" لكن ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل، لأن إشعياء يقول: "يا رب، من صدق خبرنا؟" (رو 10: 16) لأن التصديق بالإنجيل يحتاج إيمان، والإيمان يأتي بالخبر، والخبر يأتي عن طريق الكرازة بكلمة الله كما ذكر بولس الرسول (رو 10: 17).
من صدق. المتهاونون يتعجبون ولا يصدقون ولا يفهمون حتى يأتي العقاب على كل الذين لم يفهموا كما ذكر حبقوق النبي: "أُنظروا أيُّها المتهاونون، وتعجبوا واهلكوا! لأنني عملاً أعمل في أيامكم. عملاً لا تصدقون إن أخبركم أحد به" (أع 13: 41) و (حب 1: 5).
فإن: "سر الرب لخائفيه وعهده لتعليمهم" (مز 25: 14) أي إنسان يخاف الله بروح التقوى يقدم له طريق وصيته بفضل نعمته، ويتمتع بمجد الرب، كما تترجم هذه الآية في السبعينية: " الرب عز (قوة) لخائفيه ، واسم الرب (مجده) لأتقيائه وعهده يوضحه لهم (يظهر لهم ذاته – أسراره).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-ibrahim-anba-bola/great-lent/john-and-isaiah.html
تقصير الرابط:
tak.la/yf6r6jx