في هذه السلسلة الكلام للكبار في بعض المبادئ التربوية التي أهملناها، تحت عنوان "أنظروا".
"أنظروا" سنأخذها من مقياس: (قيسوا أنفسكم) أو (Evaluate yourself).
والكلام في كل محاضرة عن بند من بنود التربية المهمة.
+ يجب أن نعترف أن "علاقة الصداقة مع الأبناء" عادة ما تنقصنا في أسلوب التربية المصرية، أو التربية عمومًا. نحن نفتقد دور الصديق مع أبنائنا وبناتنا. وهناك نماذج سلبية كثيرة في حياتنا.
+ هناك فجوة بين الأجيال، فالكبير يرى في نفسه طوال الوقت أنه كبير، والصغير يذكروه طوال الوقت أنه صغير. فلا توجد ولا تنشأ صداقة بينهما. لأن الصداقة تفترض دائمًا أن يكون هناك نِدِّيَة أو نوع من المساواة equality. فلا وجود للحواجز بين الأصدقاء.
+ عندما ننظر لعلاقة أبنائنا (أو بناتنا) مع أصدقائهم، نجدهم يتكلمون ويمزحون معًا بلا حواجز وأحيانًا يصل التهريج بينهم إلى حد السخرية (التريأه) دون أن تحدث أزمة. يلعبون معًا دون أزمة. يضحكون معًا دون أن يقول أحد "عيب الزم حدودك". لكن للأسف أغلب البيوت المسيحية أو البيوت المصرية، لا تُراعي مبدأ "الصداقة" في التعامل مع الأبناء.
+ تكلمنا في المحاضرة السابقة عن ضرورة الاحترام في العلاقة بين الآباء والأبناء (احترام الآباء للأبناء لا يقل أهمية عن احترام الأبناء للآباء)، والصداقة ليست قلة احترام، ولكنها إضافة بُعد آخر بين الأب وابنه أو الأم وابنها أو بنتها.
+ لماذا؟ لأن أجمل صورة تراها في بيت، هي أن تجد أب يخرج مع ابنه يتبادلان الأحاديث والحكايات ويمزحان معًا، ويضحكان معًا.
وأم تحكي مع أبنائها وبناتها، تشكي لهم ويشكون لها، تأخذ رأيهم ويأخذون رأيها، تلعب معهم، تستمع إليهم، تضحك معهم – بل أريُد أن أضيف شيئًا آخر قد لا يعجب البعض – وتقبل منهم أيضًا التريأه دون أن يتحول الضحك إلى أزمة - (مش أول ما يقولوا كلمة زيادة العصاية تطلع! لأ، عادي، إحنا أصحاب يعني) – بالطبع كل هذا في حدود الأدب ودون أن يلغي مبدأ الاحترام المتبادل.
+ صدقوني هذا الشكل في العلاقة (الصداقة) هو الشكل المثالي لعلاقتنا مع أبنائنا. لماذا؟ لأن عندما يدخل أحد هؤلاء الأبناء في مشكلة، سيكون أقرب صديق له هو الأب أو الأم.
الأبناء الذين يتمتعون بعلاقة صداقة مع آبائهم محظوظين بهذه العلاقة، لأنهم لا يضطروا للجوء في مشاكلهم للأصدقاء الذين لا نضمن طريقة حلولهم للمشاكل، هل ستكون فعلاً في الصالح أم لا؟!
ما أكثر الشباب الذين يلجأون إلى أصدقائهم وليس لوالديهم، لأن الصديق أقرب له من الأب والأم في مرحلة من المراحل، إلا في حالة واحدة، هي إذا كان الأب والأم هما "الصديق"!
+ ولكي يصل الأب والأم إلى الشكل المثالي للعلاقة مع أولادهم فيصيروا أصدقاءً لهم، لا بُد أن تبدأ هذه العلاقة من مرحلة الحضانة. بل يجب أن تكون نية مصادقة الأبناء موجودة في الآباء منذ اليوم الأول لميلاد الطفل.
+ لا بُد أن نعرف أن العلاقة السليمة مع الأبناء ليست في إحكام السلطة عليهم بل في احترامهم ومصادقتهم. لا بد من وجود الاحترام ولا بد من وجود الصداقة.
(عايزه الواحد يفكر نفسه دائمًا: أنا مش مجرد أب أنا عاوز أبأه صديق. أنا مش مجرد أم، أنا عاوزه أبأه صديقة).
+ عليك أن ترجع طفلًا لتلعب مع أطفالك وهم صغار! وشاب لتضحك وتمرح معهم وهم في سن الشباب – الذي يميل للمرح (وأحياناً التريأه) طوال اليوم! وأن تكون رجلًا لأن ابنك أصبح رجلًا!
+ أي عليكّ أن تعيش معهم سنهم، وتعيش ضحكهم، وتعيش لعبهم وتعيش أفكارهم. يعلمونك وتعلمهم، ويشكون لك وتشكي لهم.
هذا الشكل الرائع في العلاقة يحمي الشباب من كل شيء رديء.
نحن نفتقد دور الصديق مع أبنائنا وبناتنا. وهناك نماذج سلبية كثيرة في حياتنا: فمثلًا قد تأتي الابنة لتحكي لوالدتها حكاية، فإذا بأمها تقول لها "مش فاضية، مش فاضية!". فما يكون من الابنة إلا أنها تضطر للجوء لأحدى صديقاتها لمجرد أن صديقتها لديها الوقت الكافي لسماعها! ولكن، هذه الأم عليها أن تعلم أن ابنتها لن تحكي لها شيء آخر بعد هذا الموقف! حتى الأشياء الهامة! لأن أمها لم تُقدر احتياج ابنتها لمشورتها ولم تستمع لابنتها عندما أرادت أن تحكي معها!
وللأسف أغلب الآباء والأمهات يدركون أهمية علاقة الصداقة مع الأبناء في مرحلة متأخرة جدًا! فالصداقة لا تُشْتَرَى. وكثيرًا ما تشكو أمهات لأبونا: "بنتي تأعد بالأسبوع ما تتكلمش معايا ولا حتى ربع ساعة! دي بتخرج مع صاحباتها يوم بعد يوم! وتتكلم مع صاحبتها بالساعات ولا أدري فيما يتكلمون!" تحكي ذلك وهي في غاية الغيظ لأن ابنتها لا تتكلم معها ربع ساعة!
ويسكت أبونا لأنه لا يريد أن يقول لهذه الأم: "أنتِ التي جعلتي ابنتك تبتعد عنك بهذه الطريقة، لأن هذا رد فعل تلقائي لعدم استماعك لها عندما احتاجتك، لم تحاولي اكتساب صداقتها في مرحلة مبكرة!" للأسف نحن الذين نجعل ابنائنا يلجأون لأصدقائهم دوننا بأسلوبنا الخاطئ معهم.
أحد الخادمات اللاتي يتميزن بالحكمة الشديدة روت لي الآتي: "جاءتني ابنتي وهي طالبة بالصف الثاني الإعدادي تقول لي: "ماما في حاجه أنا عايزه أقولها لك بس خايفة، أنا فيه ولد عاجبني في الفصل".
قالت لي هذه الأم العاقلة: "كنت بجز على سناني وبولع من جوه، بس أنا فاكره المبدأ فابتسمت ابتسامة كبيرة وضحكت -وطبعًا في داخلي فوران وغليان- وقلت لها: "لأ لأ تعالي إحكي لي، ده موضوع حلو".
هذه الأم الفاضلة بالطبع تصرفت هذا التصرف لأنها تعلم جيدًا أن علاقتها بابنتها كصديقة تُلزمها بأن تستمع لها كصديقة وليس كولي أمر. لأنها إذا استمعت لها كولي أمر ستقول لها فورًا "إيه يا بت الكلام الفاضي ده؟!" وستكون النتيجة ببساطة أن البنت ستحب زميلها دون أن تدري الأم شيئًا عن ذلك! ولكن عندما استمعت لابنتها كصديقة وحكت معها وضحكت معها، استطاعت أن تُرشدها وانتهى الموضوع خلال كذا شهر.
هذه الأم قالت لي بالنص: "أنا عديت من الامتحان. كان امتحان صعب، لأني أنا كنت على أعصابي. على لساني أقول لها كل مرة: "بطلي كلام فاضي، وابعدي عنه. بس أنا عماله افرمل في روحي. لأني إذا أخذت هذا الموقف الرسمي، أنا ما اعرفش هيحصل إيه بعد كده؟! ففضلت ألَمَّح، واحايل، وأقولها أحيانًا: "لايكون بيقول لكل البنات الكلام الحلو ده".
بالطبع تصرفت هذه الأم بذكاء وكانت صديقة لابنتها فاستطاعت ان تجتاز معها التجربة وتجعلها تسير في الطريق السليم. ولكن ما أكثر الأمهات اللاتي يتصرفن عكس ذلك وتكون النتيجة: "بعد أن كان الشاب زميل من الكنيسة، أصبح زميل ليس من الكنيسة (آخر من خارج الكنيسة)، وبعد أن كان الموضوع مجرد إعجاب، قد يتطور لتنشأ منه مشاكل كبيرة يصعب علاجها فيما بعد". كل هذا يُمكن أن نتجنبه بقليل من الحكمة والصداقة في العلاقة مع أبنائنا.
بالطبع ليس هناك مشكلة بلا حل. حتى عندما نكبر ويكون هناك فجوة كبيرة بيننا وبين أبنائنا، علينا أن نبدأ في محاولة اكتساب وِد وصداقة أبنائنا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وهذا ليس خطأ. فأبنائنا وبناتنا غالبًا لا يكون لديهم مانع -حتى إذا حدث هذا متأخرًا- من أن يجلس ليتكلم مع أبيه إذا شعر أن والده يريد أن يحكي معه. حتى إذا كان هذا الإبن (أو الإبنة) صعبان عليه من زمان، وفاكر لوالده " إنت عمرك ما كنت صاحبي!". أبنائنا طيبين ويحبون آبائهم فتجدهم مع الوقت يستجيبون لمحاولات الآباء اكتساب صداقتهم والتعمق في العلاقة مع آبائهم.
الصداقة تضيف بُعدًا آخر من الجمال والعمق في علاقتنا بأبنائنا.
الصداقة هي الشكل الأمثل لعلاقة الآباء بالأبناء لأنها تحميهم من مخاطر كثيرة ومن أصدقاء السوء ومن الطرق المعوجة.
ابدأوا في تكوين علاقة الصداقة مع أبنائكم في مرحلة مبكرة من حياتهم فمنذ ولادتهم لا بد أن تكون لديكم نية مصادقتهم
علاقة الصداقة مع الأبناء تحتاج إلى تركيز، تحتاج أن تعطي وقتًا لأبنائك، وتعيش معهم سنهم، تضحك معهم وتقبل أن يعاملوك بندية، تحتاج أن تستمع لهم كصديق وليس كولي أمر.
عندما يُخطيء إبنك وتشعر بالغضب لا تسارع بإعلان هذا الغضب بل تصرف كما يتصرف الأصدقاء، حاول أن تبتسم وتستمع له وتفهم وجهة نظره ومشاعره، ثم حاول أن تُعيده إلى الصواب بالتدريج بالمناقشة والاقناع وبذكاء.
لمن تأخروا في إقامة علاقة صداقة مع أبنائهم، الفرصة لم تنتهي بعد، ابدأوا من الآن بتغيير طريقتكم في التعامل مع أبنائكم اضحك والعب مع ابنك إذا كان طفلًا ، واشترك مع ابنك في التهريج والمرح إذا كان شابًا، عيشوا مع أبنائكم سنهم ووتضوا علاقاتكم بهم بالصداقة وليس بالانتهار والعنف والتسلط.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-dawoud-lamey/family-education/friendship.html
تقصير الرابط:
tak.la/g3873m6