نصلي في القداس الإلهي يوميًّا ونقول: "اصعدها كمقدارها كنعمتك، فَرِّح وجه الأرض، ليرو حرثها ولتكثُر أثمارها. أعدها للزرع والحصاد، ودبِّر حياتنا كما يليق. بارك إكليل السنة بصلاحك من أجل فقراء شعبك، من أجل الأرملة واليتيم والغريب والضيف، ومن أجلنا كلنا نحن الذين نرجوك ونطلب اسمك القدوس.. املأ قلوبنا فرحًا ونعيمًا، لكي نحن أيضًا إذ يكون لنا الكفاية في كل شيء، كل حين نزداد في كل عمل صالح".
فحياة الشكر تنبع من شبع القلب بالمسيح، وملأ العين بالسماويات، وشغل الفكر بما هو بعد الموت.. هذا يجعل الإنسان يشكر الله على كل شيء: "شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ" (أف 5: 20).
وحينما يمتلئ القلب من الشبع بالله ويملك عليه بغِناه السماوي، يشكر الإنسان على كل شيء يعطيه له الله، ولذلك نصحنا الرسول بولس أن نسعى نحو ملكية سلام الله على قلوبنا لكي نستطيع أن نشكر: "وَلْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ الَّذِي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ" (كو 3: 15). ويُنهِضنا إلى العمل الصالح الذي يستحق الشكر، وأن يكون عملنا كله باسم الرب حسب قوله: "وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْل أَوْ فِعْل، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اللهَ وَالآبَ بِهِ" (كو 3: 17).
ومع كثرة الضيقات التي نتعرَّض لها يوميًّا، سواء مادية أو معيشيَّة أو نفسية أو مجتمعية، وقِلَّة الموارِد وفرص العمل، وغلاء الأسعار الفاحِش الذي يزداد بطريقة غير متوقعة ولامعقولة، ومع الضغوط النفسية التي تنبع من عدم توفير سُبُل الحياة الكريمة للكل بطريقة معقولة أو متوسطة، وفي الوجه المُضاد كثرة المتطلبات، فالطالِب المستمر في دراسته يحتاج إلى أدوات كِتابية وكتب ومستلزماتها، وطرق مواصلات، ودروس وترفيه ومأكل ومشرب وملبس لكي يستطيع استكمال مسيرة التعليم، ناهيك عمَّن يتعلمون في المدارِس والجامِعات الخاصة والأجنبية وارتفاع سعر العملة الأجنبية في مقابل نزول سعر الجنيه المصري. كلها مُعادلات صعبة الحل، فكل شيء في زيادة وارتفاع إلَّا مستوى الإنسان المادي، وعليه يترتب الأخلاقي والمجتمعي والتعليمي..
ضغوط الحياة القاسية قد تُشَكِّل داخِل الإنسان نوعًا من التمرد والتذمر وعدم الارتياح والضيق النفسي والعصبية والصوت العالي والتهور على الآخرين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. وفي خلال هذه الدوَّامة التي تعصف بالجميع -ما عدا الطبقة الأرستقراطية التي تزداد غِنى وقسوة على الفقير واستهزاء بالمحتاج، ولامُبالاة بما قد يحدث في المجتمع- فيفكر البعض في كيفيَّة سداد احتياجاته بأي طريقة -سليمة كانت أم غير سليمة، شرعية أم غير شرعيةـ فيزداد الغِش وعدم الأمانة والاحتيال والكذب والرشوة والفساد والجريمة بكل أنواعها.. ويكون الشغل الشاغِل والنصيب الأكبر من تفكير الإنسان كيف يسدِّد الاحتياجات -وقد يكون له عُذرًا في ذلك، بسبب كثرة الأعباء- ولكن لا يكون عليه عُذرًا إذا سلك بطريقة غير سليمة..
وفي كل هذا ينسى البعض الله في هذه الأحداث المؤسِفة، ظانين أن البشر هم المتحكمين في كل الأمور، ويتناسى الإنسان أن الله هو الضابط الكل، وأنه هو يعول الإنسان والحيوان، ويعطي أثمار للأرض، وهو الذي يفرِّح وجه الأرض بالنيل، ويعطي طعامًا لكل ذي جسد.
نظرة الإنسان وقتية ومحدودة، ولكن نظرة الله مستقبلية، فهو الوحيد الذي يملك الزمن وتدبير العالم. الإنسان يصنع شرورًا تضرّه والله هو صانِع الخيرات. الإنسان يغمض عينيه عن نظر الخير، ويصم أذنيه عن سماع صوت الله الذي يقول له: "إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ، وَتَصْنَعُ الْحَقَّ فِي عَيْنَيْهِ، وَتَصْغَى إِلَى وَصَايَاهُ وَتَحْفَظُ جَمِيعَ فَرَائِضِهِ، فَمَرَضًا مَا مِمَّا وَضَعْتُهُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ لاَ أَضَعُ عَلَيْكَ. فَإِنِّي أَنَا الرَّبُّ شَافِيكَ" (خر 15: 26).
فلنتعوَّد أن نشكر الرب في الضيقات لكي يمد يدهُ ويرفعها عنَّا ويملأ حياتنا بكل البركات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/thankfulness-in-all.html
تقصير الرابط:
tak.la/y39ynyd