St-Takla.org  >   articles  >   fr-botros-elbaramosy  >   a
 

مكتبة المقالات المسيحية | مقالات قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات الراهب القمص بطرس البراموسي - تاريخ المقال: سبتمبر 2020 م.

 121- إرضاء الذات

 

إن السعي الدائم نحو الحرية يُحرِّر الإنسان من أنانيته وذاتيته التي تقف في أغلب الأحيان عائقًا للنمو الروحي بل والمجتمعي أيضًا، إذ يجعله يتطلَّع في حبٍّ إلى ما حوله، ويهتم بما هو خارج إطاره الذاتي، فيكفَّ -ولو جزئيًا- عن السعي نحو إرضاء الذات. فالذات لا تعرف الحب بمعناه الصحيح، فهي تسعى دائمًا لحصد الوهم الذي تهيم فيه لأيام وشهور وسنين، وإشباع كل ما هو مائت، وهي تسعى للتخلُّص من مخاوفها وهمومها، حتى ولو بطريقة الخداع للنفس. ولكنها في سعيها هذا، لا تجد سوى الآخر لكي تحمِّله مسئولية مرضها.

والذات تعشق نفسها، ولا تحب سواها هي، وهذه المحبة هي بداية كل الآلام والأوجاع. والذات تُزيِّف كل ما حولنا. فالحقيقة تشوِّهها الذات وتجعل منها شيئًا مؤلمًا، وعلاقاتنا مع ما حولنا تحوِّلها الذات إلى مجالات للشهوة والخداع!! إذ تتحول الي مشاعر للأخذ فقط ودايمًا، وكل هذه الأوجاع تظلم عقولنا، وتفسد حكمنا الصحيح على الأمور، وتمنع عنا موهبة التمييز؛ إذ تُفسِّر الكل على أساس مادي، فيصير كلُّ ما حولنا مقبولًا أو غير مقبول، مريحًا أو غير مريح، مُرْضيًا أو غير مُرضٍ لنا، وذلك تبعًا لأهوائنا.

St-Takla.org Image: Self care, self love صورة في موقع الأنبا تكلا: محبة النفس، يحب نفسه

St-Takla.org Image: Self care, self love.

صورة في موقع الأنبا تكلا: محبة النفس، يحب نفسه.

لذلك فالذات أسيرةً للأهواء، ومُغلَّفة بخداع الأشياء المنظورة والمحسوسة، فهي ليس لها إلاَّ ظاهر المعرفة. وهذا ما يؤكِّده مار إسحق السرياني قائلًا: ”العقل الذي يقع فريسة للمشاعر الجسدية لن يُحصِّل إلاَّ معرفة عالمية، ولن يجني إلاَّ الأفكار المريضة“. والشهوات (الروحية) أيضًا تعمل على إفساد إدراكنا للواقع من خلال التركيز على ظاهرية الأمور وشيئيتها فقط (أي اعتبار الأمور والأشخاص أشياء موضوعة للمنفعة الذاتية)، وهذا يجعل الإنسان غير مُدرِكٍ أن حياته هي هبة من الله، وهذه الحقيقة قد تغيب عن أذهان بعض هؤلاء المخدوعين من ذواتهم، او قل العابدين لذواتهم. فتصبح الذات بمثابة ”أوثان“ يتعبَّد لها الشخص.

كذلك فالشهوات التي تصيب النفس تنمو وتتغذى على الأفكار والخيالات، سواء التي تفرزها النفس أو تلك التي يقترحها الشيطان عليها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وفي ذلك يقول القديس دوروثيئوس: ”أولًا تولد الأفكار، وبعد ذلك تظهر الشهوات“.

وفي سفر التكوين، الأصحاح الثالث، نجد أن أول تجربة كانت هي الشهوة التي في طياتها هي حب تأله الذات "تصيران مثل العلي"، وهذه التجربة كانت تعتمد أساسًا على الخداع، حيث اعتمد المجرِّب على تشويه كلام الله. فالشهوة هي تحوُّل عن الطبيعة الأولى، فطبيعة الإنسان الأولى كانت هي الرغبة في الالتصاق بالله، والرغبة في تبادُل الحب معه، ولكن الشهوة جاءت لكي تحوِّل هذه الرغبة المقدسة إلى رغبة في تملُّك خيرات هذا العالم والتكالُب على هذه الخيرات إلى حدِّ العنف والاقتتال.

ولنلاحظ أيضًا أن الشهوات تعمل علي تزيّبِف علاقتنا بالآخر:

وعن هذا التزييف نجد القديس ثيئوفان الناسك يحدثنا عن أثر الظلمة التي تحدث للعقل على تصرفات الإنسان وسلوكياته قائلًا:

[لنعرف جيدًا كيف يسعى الشيطان لتجربتنا. إنه أولًا يُدخِل الأفكار إلى القلب، ثم ينتظر حتى يبدأ القلب في التعامُل معها، وعلى هذا يبدأ في إحكام تجربته. ولنفترض -على سبيل المثال- أننا نفكر في شخصٍ ما قد أساء إلينا، فإنْ نحن رحبنا بالتفكير في هذا الموضوع وامتلأنا بالحقد تجاه الشخص المسيء، فإنَّ ذلك يعني أن العدو قد اخترق النفس بسيفه وجَرَحَها. وهو في هذه الحالة يقترب ويثير فيها عاصفة من الغضب والرغبة في الانتقام. ولكن لو كان القلب في حالة استعداد دائم للصفح عن الإساءة، فإن الإنسان سوف يحفظ نفسه من سيف العدو، ويحظى بالسلام تجاه أي شخصٍ. لذلك فليس من المهم أن يقترب المجرِّب من النفس أم لا، وإنما المهم هو عدم التعامل مع الفكر الرديء لأن هذا هو طريقنا للتغلُّب على التجارب].

إذن، فالعدو بكل قوته لا يستطيع إرغامنا على شيء، لأن التجارب التي نسقط فيها يلازمها حتمًا حالة من الرضا والقبول الداخلي. لذلك فعلى الإنسان أن يجاهد داخليًا لكي لا يسقط في التجارب، وهو لن يستطيع ذلك إلاَّ إذا اعترف داخليًا أنه مُعرَّض للسقوط في أي وقت، أما إذا اتكل على قوته الذاتية فسيصير فريسة للمجرِّب، ويقع في المحظور وهو ميله إلي إرضاء ذاته وعدم لومها في أي شيء البتة.

لذلك فالحرية قائمة في شعور الإنسان بضعفه الشخصي، وفي معرفته بنقاط ضعفه، وفي إيمانه بأن التغيُّير (الروحي) ليس أمـرًا في أيدينا، ولكنه يأتي من تسليم ذواتنا التي شوَّهتها الخطية في يد الله القادر على التغيير. ولذلك يقول بولس الرسول: «لأني حينما أنا ضعيف، فحينئذٍ أنا قوي» (2كو 12: 10).

ولذلك يجب أن يكون الإنسان دائم الفحص لذاته والتدقيق معها في تصرفاتها وأفعالها لينجي من هذا الفخ الخطير بقوة وسندة ربنا يسوع المسيح.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/self-pleasing.html

تقصير الرابط:
tak.la/xr7nymp