"لتكون لكم الرحمة والسلام والمحبة" (يه 1: 2) هكذا بدأ القديس يهوذا الرسول (ليس الأسخريوطي) رسالته المكونة من 25 عددًا... داعيًا لنا بهذه الثلاثية الرائعة (الرحمة والسلام والمحبة) فمحبة الكل ومحبة الله تولد داخل قلب الانسان السلام الداخلي، هذا أمر طبيعي فمن احبه اسالمه، لأنه لا يمكن أن يكون بيني وبين آخر أي عداوة وأدعي زورًا وكذبًا أنني أحبه، هكذا من احبه واسالمه أمد له يد الرحمة والمساعدة وذلك لأن المحبة والسلام الداخلي تجعل قلب الإنسان رحيمًا على غيره دائمًا. ولنلاحظ ان السيد المسيح قد أعطى الطوبى للرحماء "طوبى للرحماء لأنهم يرحمون" (مت 5: 7). وقد حذرنا القديس يعقوب الرسول من عدم الرحمة اننا سوف نحاسب كما نفعل تمامًا بقوله "لأن الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل رحمة، والرحمة تفتخر على الحكم" (يع 2: 13).
- هذا ما أرادت الكنيسة تذكيرنا به دائمًا في مستهل الصوم الكبير المقدس قائله "بادروا بالرحمة لكل أحد، لا تنظروا فيما بعد، فإن قيل لا تهتموا بالغد، فالرزق مضمون فيما هو آت"... هذا من أجل ما يحدث مع كثيرين بسبب الظروف الإقتصادية الصعبة التي نمر بها من غلاء معيشي بكل جوانبه، وقلة فرص العمل، وإن وجدت نجدها غير متناسقة مع عدد ساعات العمل وما إلى ذلك... فالكل يشكوا هذه الأيام من كل ذلك، فالفارق الطبقي الواضح بين أثرياء وفقراء أحدث صراعًا نفسيًا داخليًا للجميع، فالغني لا ينظر إلى اخوته والمحتاجين، وتحول كل شغله على كيفية استثمار هذه الثروة بافضل طريقة لكي تأتي بأرباح أكثر وأكثر، إنشغل الغني بذلك، وكأنه أخذ المهدئ الروحي تأتي بثمر "ثلاثين وآخر بستين وآخر بمئة" (مر 4: 8) وحوله إلى مبدأ أرضي سوف يزول سريعًا من جهة ثروته وأمواله، وتناسى تمامًا أن من حق الفقراء أن يتمتعوا معه بهذه الثروة، فالله لم يعطه إياها ولم يكثرها له، لذاته فقط، ولكن هو الذي قال "اعطوا تعطوا، كيلًا جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا تعطون في أحضانكم، لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم" (لو 6: 38).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
- فالسيد المسيح قد أعطانا المعادلة التي يجب أن نحيا بها في العطاء، وأوضح انه كما نعطي للآخر، سوف يعطينا هو من غنى مراحمه، وقد ضرب لنا مثل الخراف والجداء (مت 25: 31-46) لكي يوضح لنا أهمية أعمال الرحمة، فهي التي تهيئ البعض لدخول السماء فهم سوف يسمعون "تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسيقتموني، كنت غريبًا فآويتموني، عريانًا فكسوتموني، مريضًا فزرتموني، محبوسًا فأتيتم إليَّ" (مت 25: 34-36) وفي حال استغرابهم لهذا الكلام لأنهم لم يفعلوا ذلك مع رب المجد نفسه، يوضح لهم ما يريده منا كلنا بقوله "فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم بما انكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم" (مت 25: 40). أما ما يفعله رافضي الرحمة والقساة والمتجبرين والأنانيين الذين لا يهمهم سوى أنفسهم وثروتهم وغناهم الفاحش الذي حول قلوبهم إلى القساوة والجبروت، وانهم لا يبالون بالآخرين الجوعى والعطاشى والعريانين والمحبوسين والمرضى... ينظروا كل هؤلاء ويقولون مالنا ولهم، الذي خلقهم وأوجدهم في هذه الظروف هو الكفيل بهم... سوف يسمعون من فم رب المجد "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته، لأني جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تسقوني، كنت غريبًا فلم تأووني، عريانًا فلم تكسوني، مريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني" (مت 25: 41-43) وفي حال اعتراضهم على هذا الكلام وكأنهم ظلموا من الخالق الديان العادل، وكأن لسان حالهم يقول له.. لماذا هذا الظلم؟ متى رأيناك جائعًا أو عطشانًا أو....يقول لهم بنفس ما تفوه به مع المطوبين "فيجيبهم قائلًا: الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبي لم تفعلوا" (مت 25: 45). نهاية هذا وذاك يكون الحكم الأبدي من فم الحاكم الديان العادل "فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 46).
- لذلك فالأنجيل على لسان رب المجد، وكنيسته المجيدة التي أسسها بدمه الذكي دائمًا يذكروا المؤمنين بأنهم لا يهتموا للغد فقد ذكرت كلمته (لا تهتموا) في الثلاثة أناجيل الأولى ثماني مرات "لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون. ليست الحياة أفضل من الطعام ولا الجسد أفضل من اللباس" (مت 6: 34،31) (مت 1: 19) (مر 13: 11) (لو 12: 11)، "وقال لتلاميذه: من أجل هذا اقول لكملا تهتموا لحياتكم بما تأكلون، ولا للجسد بما تلبسون" (لو 12: 22) (لو 21: 14).
- هكذا يجب أن نحيا الأنجيل، ونتمتع بفترة الصوم التي أسماها الأباء "خزين السنة"... فمنها نتعلم الكثرة في العطاء وتكون نقطة بداية لإنطلاقة في كل أعمال الرحمة، وتكون منهج حياة طول السنة وطوال العمر، فلا نربط الرحمة بالصوم فقط، الله هو الذي يعول الكل، وهو الذي يعطي الجميع القوت والكسوة، وهو قادر ان يغني الجميع، ولكنه يسمح بوجود الفقر والغنى، وأوجد المحتاجين لكي يعطيهم الأغنياء، فيأخذوا بركة العطاء، وأيضًا الفقراء لكي يصلوا من أجل من يعطونهم، ولينالوا بركة احتمال الضيق والشكروعذه أعظم من كل غنى وأموال العالم الزائل، التي سرعان ما تنتهي مثل البخار الذي يظهر قليلًا ويضمحل سريعًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/mercy.html
تقصير الرابط:
tak.la/jmm538h