بالحقيقة فضيلة المحبة هي أساس كل بنيان روحي وأسري، فبدون المحبة لا يستطيع أحد أن يقتني شيئًا حسنًا من حياته على الأرض أو في علاقته بالله. فالمحبة هي التي تربط الإنسان بالله وبأخيه، فهي محور ارتكاز المثلث المتساوي الأضلاع الذي تكوِّن رؤوسه الثلاثة: الله، الإنسان، أنا. فكثيرًا ما تكلَّم السيد المسيح عن المحبة، بل قد لَخَّص كل وصايا الله للإنسان في وصيتين: محبة الله ومحبة الإنسان. فعندما جاء الناموسي الذي يتبع الفريسيين في فِكرهم الماكِر الملتوي ليسأل السيد المسيح عن أهم الوصايا: "وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَامُوسِيٌّ، لِيُجَرِّبَهُ قِائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ»" (إنجيل متى 22: 35-40؛ إنجيل مرقس 12: 28-31؛ إنجيل لوقا 10: 25-28).
هذه المحبة هي التي تجعل الإنسان يجاهد في حياته الروحية بأن يحافِظ على علاقته القوية مع الله، وأن يلتزم بالصلوات والأصوام وكل جهادات روحية يقوم بها..
فالصوم نصومه من أجل محبتنا لله، ومحبتنا لنموّ أرواحنا، والاهتمام بغِذائها كما يتغذَّى الجسد.
والصلاة نقدمها بمحبة لأننا نحب أن نقف لكي نتلاقى مع إلهنا الحنون في حديث خفي من القلب الذي يشتاق إلى إلهه الحنون.
والميطانيات metanoia نقدمها بمحبة في انسحاق التوبة، وشعور بأننا خُطاة غير مستحقين، فَنَتَذَلَّل إلى الله الحنون لكي يرفع عنا ثقل الخطية وسيطرتها علينا.
والتوبة والاعتراف والتناول من الأسرار المقدسة نمارسها بمحبة من أجل انتعاش أرواحنا وثباتنا في السيد المسيح، لكي نتحد به نفسًا وجسدًا وروحًا..
وهكذا كل الممارسات الروحية، نحياها ونتمِّمها بمحبة بدون أي فرض ولا تذمُّر ولا إلزام، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. فعلاقتنا بإلهنا الحنون أساسها المحبة القلبية، فـ"نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 19).
* وعلى المستوى الجسدي، فالمحبة هي التي تربطنا كبشر بعضنا ببعض. فبدون المحبة تتحوَّل الكرة الأرضية بأكملها إلى غابة، يأكل القوي الضعيف، ويغلب العاتي المُتَجَبِّر على الهادئ الوديع، ويقتل الشرِس الحمل الوديع، تسود الذِّئاب في كل مكان.. خاطِفة، قاتِلة، وجارِحة كل مَنْ هو طيب القلب وهادئ الطِّباع ومُحِب للسلام.
* هذا ما نراه في بعض المجتمعات التي تخرج خارج نِطاق المحبة. تسود الكراهية والقتل والجريمة، ويستحِل البعض دِماء أخواتهم في البشرية، بل وَيَتَلَذَّذون بصراح واستنجاد المقتول، وهم في قِمة الجبروت والفرح الزَّائِف الذي يوجِده الشيطان الذي يحرك مشاعرهم بكراهية دَفينة داخل القلب.. فمعلمنا بولس الرسول يقول: "اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرًّا لِلْقَرِيبِ، فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 13: 10). إذًا:
فَمَنْ يصنع الشر فهو لا يسلك بأية محبة.
مَنْ يكره بعيد عن المحبة.
وَمَنْ يُعادي أفراد أسرته فهو لا يعرِف المحبة ولا يسلك بها.
ومَنْ يفرح بفشل أو سقوط أحد في أيّ شر فهو لا يعرف المحبة.
ومَنْ لا يهتم بأفراد أسرته فهو لا يسلك بالمحبة.
ومَنْ لا توجد في قلبه محبة تجدهُ بعيدًا كل البُعد عن أي عمل رحمة: فإطعام الجائِع، وسقي العطشان، وكساء العريان، وزيارة المسجون، وتطبيب المريض، وإيواء الغريب.. كلها تنبع من المحبة التي بداخل القلب.
فليعطنا الرب أن نُحِب بعضنا بعضاً لكي نصل إلى محبته الحقيقة من كل القلب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/love.html
تقصير الرابط:
tak.la/mnnq572