نسمع من بعض الأشخاص بعض أفكار أو مفاهيم غريبة في نظرهم عن الله الخالق، وما الذي يحدث للانسان المخلوق في هذه الأرض وفي الحياة أو المصير بعد موته. فيقولون: الله الذي خلق الانسان على صورته ومثاله وتوجه على سائر المخلوقات وأعطاه السيادة عليها جميعًا، لماذا يسمح له بالألم والضيقات والمشاكل أو ما يوصفونه بالعذاب في هذه الدنيا، بل والأكثر من ذلك وأيضًا يضعه في الجحيم في الآخره.... بل البعض قد يبالغ في الكلام أو قل في الاتهامات لله "محب البشر" ويقول: لماذا خلق الله الانسان للعذاب في الدنيا والآخره... وعجبًا لهذه النظرة السوداوية من هؤلاء، المتشائمة والقاتمة... فهي لا ترى خيرًا في الحياة على الأرض بل تراها ليست الا سوى ألم وعذاب وشر. ولذلك يرون الله بفكرهم الخاص انه هو المسئول عما يعانيه الناس من مرارة الحياة من ألم ومرارة وشقاء، وكأن الله خلق البشر لهذا العذاب، ويتجاهلون تمامًا "الله محب البشر" -وهذا ما نقوله في قطعة أكسيوس بالقداس الغريغوري – ويستمرون في الكلام ويقولونه ومع ذلك فالله يرى عذاب البشر في الأرض ليس كافيًا، فلإستكمال تعذيبه لهم يسوقهم إلى عذاب أعظم في الحياة الأخرى.
إذن الله في نظر هؤلاء المتشائمين، هو إله قاس، كل مسرته ولذته في عذاب البشر في الحياتين الحاضرة والمستقبلة "الأبدية".
- هنا ويقول احد أباء الكنيسة (المتنيح نيافة أنبا أغريغوريوس) عن ذلك [ليست هذه النظرة المتشائمة مجرد نظرة سوداء ترى الحياة الدنيا لا معنى لها ولا مغزى منها إلا أن تكون عذابًا وشقاء، بل انها كذلك اتهام صريح لله...، اتهام له بالقسوة والظلم، بل اتهام لعلاقته بخليقته، انها علاقة غدر... واتهام ايضًا لغايته في الخلق، وتجديف ينطوي على انكار لوجود إله خير، يتميز بالجودة والصلاح والعدل، ولذلك فهذه النظرة صورة مستترة من صور الإلحاد. كلا إن الله لم يخلقنا للعذاب، بل خلقنا لنشاركه سعادته وغناه، وهذا دليل خيريته وجودته وصلاحه. ولا شك أن الوجود خير من العدم. فالله خلقنا لخير يعود علينا من وجودنا معه وفي حضرته. فإذا كان في الحياة الدنيا شقاء وألم، فهذا الشقاء والألم لا يقاس إلى ما في الحياة من خير وجمال. ان الطبيعة كلها جميلة، ليس فيها قبح أو شر... السماء بنجومها وكواكبها ومجراتها... كلها جميلة في مدارتها ومسارتها ونظامها البديع الناطق بجمال خالقها وحكمته العميقة... والأرض بنباتاتها وحيواناتها... بجبالها ومحيطاتها وانهارها... والانسان نفسه آية كبرى للجمال، في كل عضو من أعضائه جمال وخير... في كل ذرة من ذراته جمال... في تركيبه الجسمي جمال وخير.. في تركيبه العقلي جمال وخير.. في تركيبه النفسي جمال وخير].
- تأملوا أيها الأحباء إلى الورود بجمالها ورائحتها المنعشة والجذابة، وكذلك السيقان التي تحمل الأشواك التي توخز يد من يمج يده ليقطع الوردة... إلى من ننظر. ينظر البعض للجمال والروائح والألوان وإنتعاش النفس وتلذذ النظر والشم بكل البراعة في الخلق، وحب الله لنا إذ يخلق لنا ما يحلو لنل نظره وشمه فيشكر الله على عطاياه وحكمته واهتمامه وعنايته بالبشر، وينظر الآخر إلى الشوك الذي يوخز اليد ويلعن ويتهم الله بالقسوة وعدم إدراك ان ذلك الشوك يدمي يد الانسان.. فأيهما يحلو لك أيها الحبيب ومن أي نوع أنت؟ وكيف تنظر للأشياء التي خلقها الله؟
- ولننظر بمنظور أدق، ألا وهو ان الله لم يخلق الشر، بل هو صانع الخيرات بإستمرار.. ولكن قد يوجد الانسان الشر بفعله الرديء ويتهم الله به.. فهناك في الحياة شرًا من طراز معين، ألا وهو ما نسميه بالشر الأدبي. هذا الشر الأدبي ليس من الله، وهو غير مسئول عن وجوده، بل انت وانا بأفعالنا التي تجلبه، فالقتل والسرقة والرشوة والخيانة والانتحار والظلم والاعتداء وانتهاك الحريات، هذه كلها شرور توجد في الأرض، والحروب المدمرة التي تقضي على الأخضر واليابس، هذه الشرور ليست من الله بل من الناس. نقول أن كل الأشياء والأمور تتم بسماح من الله، وذلك لأن رغبة الانسان هو تمامها بل وإصراره على تمامها.. فيتركه الله يتممها ولكن سوف يأخذ جزائها وعقابها. تلك الشرور بعضها يوقعها الانسان على نفسه.. وبعضها يوقعها على غيره.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
- فالأمراض على سبيل المثال تكون بسبب خطأ الانسان وتعديه قوانين الطبيعة في طعامه وشرابه، أو قد يكون تعديه في سلوكه في نظامه الغذائي اليومي.. وينتج عن هذا التعدي مرض أو ألم.. هذا المرض ليس من الله بل هو نتيجة طبيعية لتعدي الانسان على قوانين الصحة الطبيعية.
- أو قد تؤثر أفعال الشر الرديئة من قنابل وصواريخ وغازات مدمرة في طبيعة الجو والطقس العام "الغلاف الجوي" وتلوث الطبيعة.. يؤدي ذلك إلى كثرة الأمراض وانتشارها مع الهواء.. فهل في ذلك نتهم الله انه خلق الانسان لكي يعذبه في هذه الحياة الحاضرة وكذلك في القادمة؟
- هكذا كثير من الشرور التي تصيب الانسان -طبيعية كانت أم أدبية- هي نتيجة طبيعية لتخطيه قوانين الطبيعة في صورة أو أخرى.
- هنا وأذكرك أيها الحبيب بالحديث الذي تم بين السيد المسيح والمفلوج طريح بركة بيت حسدا، الذي ظل مطروحًا على حافة البركة ثمان وثلاثين سنة، قال له السيد المسيح بعد شفاءه "ها قد برئت فلا تعد تخطئ أيضًا لئلا يكون لك أشر" (يو 5: 14). هذا يعطينا فهمًا ان مرض هذا المفلوج لم يكن من الله، بل كان نتيجة طبيعية لشر هذا الانسان، فإذا عاد إلى الشر مرة أخرى.. أصابه ما هو أشر من ذلك.
- يا ليتنا أيها الأحباء التركيز في أفعالنا وألفاظنا وكلامنا، ولا نتهم الله في أي فعل أكون انا المتسبب فيه، ولنبتعد بقدر الإمكان عن التشاؤم والنظرة السوداء القاتمة وننظر إلى جمال ألوان الوردة، ونستنشق رائحتها ونشكر الله، ونكون حريصين في الإقتراب لئلا نوخز بشوكها.. وبدلًا من أن نتهم الله بأنه يتلذذ بتعذيب الانسان نصلي من قلبنا وليس بشفاهنا [فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله...].
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/god-to-pessimists.html
تقصير الرابط:
tak.la/cng45dx