St-Takla.org  >   articles  >   fr-botros-elbaramosy  >   a
 

مكتبة المقالات المسيحية | مقالات قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات الراهب القمص بطرس البراموسي - تاريخ المقال: 1-11-2009

12- المسيحية والجسد

 

نحن في المسيحية لا ننظر لجسدنا على أنه عدو يجب محاربته أو معاداته أو إهانته... فمُعلِّمنا بولس الرسول يوضِّح لنا هذا المعنى بفلسفته البليغة قائلًا: "فإنَّهُ لم يُبغِضْ أحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بل يَقوتُهُ ويُرَبيهِ" (أف5: 29).

ولكن في كل حياتنا نسعى في جهادنا اليومي أن يكون هذا الجسد مقدسًا للرب وهيكلًا طاهرًا.. هذه النظرة العاقلة غير العدائية نجدها واضحة كل الوضوح في رسائل مُعلِّمنا بولس الرسول حينما تكلم عن الجسد قائلًا:

* "ولكن الجَسَدَ ليس للزنا بل للرَّب، والرَّبُّ للجَسَدِ" (1كو6: 13).

* "ألستُمْ تعلَمونَ أنَّ أجسادَكُمْ هي أعضاءُ المَسيحِ؟" (1كو6: 15).

* "أم لستُمْ تعلَمونَ أنَّ جَسَدَكُمْ هو هيكلٌ للرّوحِ القُدُسِ؟" (1كو6: 19).

وفي هذا كله كان مُعلِّمنا بولس يتكلم عن الجسد مميزًا ذلك عن الروح وليس كلامًا شاملًا الجسد والروح، ويتضح ذلك مما كتبه قائلًا:

* "فمَجِّدوا اللهَ في أجسادِكُمْ وفي أرواحِكُمُ التي هي للهِ" (1كو6: 20).

وهنا تختلف نظرتنا عن نظرة الغنوسيون الذين أنكروا تجسد السيد المسيح، وذلك لاعتقادهم أن الجسد شر وهو مصدر الخطية، وهو الذي يؤدي بالإنسان إلى الأفعال الدنسة والمميتة، فقالوا لا يمكن أن الله الكلي القداسة والطُهر يأخذ جسدًا (شرًا) إذ كيف يتحد الأقنوم الثاني (الكلمة) بجسد يميل للخطية!

St-Takla.org         Image: St Paul - Giuseppe Obici - religious Painting Art - 1850s - Marble sculpture - San Paolo fuori le Mura, Rome صورة: تمثال رخامي يصور القديس بولس، عمل الفنان جوزيبي أوبيسي سنة 1850، في سان باولو فوري ليه مورا، روما

St-Takla.org Image: St Paul - Giuseppe Obici - religious Painting Art - 1850s - Marble sculpture - San Paolo fuori le Mura, Rome

صورة في موقع الأنبا تكلا: تمثال رخامي يصور القديس بولس، عمل الفنان جوزيبي أوبيسي سنة 1850، في سان باولو فوري ليه مورا، روما

هؤلاء حرمتهم الكنيسة وحرمت كل مَنْ يتبع كلامهم لأنهم أساءوا فهم عقيدة التجسد وأنكروها.. بل تعاملوا مع الجسد على أنه شيء مظلم يميل للخطية، بل هو السبب في كل خطية والبُعد عن الله.

ولكن فكرنا المسيحي السليم عن الجسد نجده يتمثل في أننا نمقت ونقاوم أعمال الجسد الشريرة، وليس الجسد نفسه.. ونقصد بها هنا الخطايا والشهوات الدنسة والأعمال الدنيئة التي يميل إليها الجسد، وهذا ما وضحه مُعلِّمنا بولس الرسول عندما قال: "وأعمالُ الجَسَدِ ظاهِرَةٌ، التي هي: زِنىً، عَهارَةٌ، نَجاسَةٌ، دَعارَةٌ، عِبادَةُ الأوثانِ، سِحرٌ، عَداوَةٌ، خِصامٌ، غَيرَةٌ، سخَطٌ، تحَزُّبٌ، شِقاقٌ، بدعَةٌ، حَسَدٌ، قَتلٌ، سُكرٌ، بَطَرٌ، وأمثالُ هذِهِ" (غل5: 19-21).

هذه الأعمال الرديئة التي تصدر من الجسد ذكرها مُعلِّمنا بولس قبل أن يذكر ثمر الروح الذي ذكره في نفس الأصحاح: "وأمّا ثَمَرُ الرّوحِ فهو: مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ" (غل5: 22-23).

فقد ذكر لنا على سبيل المثال 17 عملًا رديئًا من أعمال الجسد، في حين ذكر 9 ثمرات من ثمار الروح، وهذا يوضح لنا أن خطايا الجسد كثيرة لأنه يميل إلى الخطية.

ومن هنا يتضح لنا أن جهادنا ضد أعمال الجسد يكون مستمر، ويحتاج إلى يقظة مستمرة وجدية في الحياة الروحية.

فمَنْ يهتم بروحه ويهمل جسده يكون مثل إنسانًا ساعيًا نحو السراب في الصحراء.. لأن هيهات أن ينمو روحيًا دون أن يجاهد ضد أعمال الجسد.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مثال على ذلك:

إنسانًا يُصلي باستمرار وينتظم على حضور القداسات والتناول من سر الإفخارستيا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. ومع هذا يأكل كثيرًا جدًا، فيجد نفسه باستمرار خاملًا كسولًا، لا يريد الاستيقاظ، ففي ذلك الوقت يقوى الجسد على الروح، ويهمل هذا الإنسان صلاته وحضوره القداسات مؤجلًا من يوم لآخر، لأنه يشعر بالحاجة إلى النوم الكثير، ويجد صعوبة في استيقاظه لحضوره القداسات، ويتراخى في حياته الروحية.. وبمرور الوقت يجد نفسه ترك الصلاة والقداسات والتناول، وأصبح يهتم فيما للجسد وليس فيما للروح.

وباستمراره في هذا الفِعل يجلب على نفسه حرب الفكر الدنس والشهوة، وتتلوث أفكاره بالأفكار السمجة الشريرة، ويشكوا أنه مُحارب بأفكار دنسة كثيرة وخيالات مثيرة للشهوة، ويعتبرها حرب روحية موجهة له بسبب جهاده وصلاته، وهو غير مستيقظ أنه هو الذي يجلب على نفسه هذه الحرب بسبب عدم يقظته بأنه يجب أن يضبط جسده في الأكل والشرب وكل احتياجاته.

ولذلك عاش آباءنا القديسين مجاهدين باستمرار ضد أعمال الجسد الشريرة، متيقظين في إعطاء الجسد احتياجه الضروري الذي يعيش به، ولا يعطوه كل ما يطلبه لكي تنمو الروح وتتحرر من قيود الجسد الأرضية، فانطلقت أرواحهم محلقة في السماء والسماويات، متمتعين بالسيد المسيح وهم على الأرض.. فلا يوجد عائق يمنعهم عن ممارساتهم الروحية وجهادهم اليومي المستمر.

وهذا الجهاد مطلوب من الكل.. ليس آباء الصحراء فقط، ولكن من كل إنسان يحيا على الأرض لكي يصل إلى السماء، متذكرين كلمات مُعلِّمنا بولس الرسول: "كُلُّ مَنْ يُجاهِدُ يَضبُطُ نَفسَهُ في كُل شَيءٍ" (1كو9: 25).

ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/body.html

تقصير الرابط:
tak.la/ad698cq