فهرس
ورد اسمه بعدة صور في المخطوطات، وهي كما يلي:
- "الشماس المكرم الشيخ فخر الدولة صركيس"[55]
- أو "النشو[56] الصالح الشماس فخر الدولة سركيس بن العبد الخاطي ارميا بن القمص صَدقه خدام بيعة الشهداء الكرام ابو قير ويوحنا اخيه ببابلون مصر"[57].
- أو كما ورد في مكان آخر "الشماس المكرم شركيس"[58].
رأى البعض أنه كان من رجالات القرن الرابع عشر أو بين القرنين الـ17-18، وأنه كان من أصل يوناني، وذلك لكونه وضع بعض الإبصاليات الرومي. ولكن من خلال دراسة العديد من حواشي المخطوطات نعرف أنه عاش ومات في غضون القرن الخامس عشر الميلادي، وأنه من أصل قبطي صِرف، ولكنه كان مُلم بالكثير من قِطَع الصلوات اليونانية وتأثر بها في كتابة إبصالياته، ولم يكن قويًا في قواعد الصرف والنحو الخاصة باللغة اليونانية كما هو واضح من ضعف أسلوبه فيها كما سوف نأتي بالشرح.
قام بزيارة لدير القديس الأنبا أنطونيوس بالصحراء الشرقية حوالي سنة 1444م، وهي نفس سنة بداية علاقة القمص إرميا بالقدس[59]، ولا يُخفى على القارئ اللبيب مدى علاقة دير القديس الأنبا أنطونيوس بالصحراء الشرقية بالكرسي الأورشليمي منذ تأسيس هذا الكرسي سنة 1235م ولا يزال[60]. هذا وقد سُجل خبر هذه الزيارة على الحائط البحري بكنيسة الأنبا أنطونيوس الأثرية بالدير[61]. ولعل هذه السنة كانت سنة بداية سُكناه بالقدس حيث التأثير الثقافي اليوناني هو السائد هناك، ومن هنا بدأ نشاطه كواضع لبعض الإبصاليات.
- إبصالية أولها "Ari'alin ÉeÉvyÉetauasf..." تقال للثلاثة فتية القديسين، والتي كانت تُقال على الهوس الثالث في شهر كيهك فقط، ثم أصبحت تُرتل على مدار السنة كلها، وبدايات أرباعها مرتبة على الحروف الأبجدية اليونانية من a إلى w[62].
- قِطَع التفسير الرومي التي تُقال على ثيؤطوكية السبت في شهر كيهك والتي تبدأ بـ "Cun doxac;wmen Éymeran..."، وهي مرتبة بحيث يكون أول كل قِطْعَة من القِطَع التسع تبدأ بحرف من حروف اسم مؤلفها بالترتيب[63]. وهي قِطَع بها الكثير من الأخطاء اللغوية وتصريف الأفعال والصفات، وقد تدارك ذلك إقلاديوس بك لبيب عندما طبع هذه القِطَع ضمن الإبصلمودية الكيهكية واستعان بكلًا من الراهب القمص ميخائيل المقاري[64] والأب اسطفانوس المترجم الأول ببطريركية الروم الأرثوذكس بمصر لتصحيحها[65]. مما يدل على ضعف المعلم سركيس في قواعد اللغة اليونانية[66].
ومن الطريف أن إقلاديوس بك لبيب ينسبها (للمعلم سركيس) وليس (للقس سركيس)، فلعل هذا يعني أنه وضعها قبل رسامته قسًا؟ وهذا على عكس إبصالية الثلاثة فتية التي تُنسب للقس سركيس[67].
قد يتساءل البعض عن سبب كتابة أو إضافة هذا الكم من الإبصاليات أو التفاسير في ذلك الوقت بالذات، ألم يكن الكم الموجود وقتها كافيًا؟ وللرد على مثل هذا التساؤل لابد من استعراض كافة الآراء لمحاولة إيجاد إجابة مُقنعة.
يرى البعض أن مُعظم الإبصاليات (الرومية والقبطية) والمدائح (العربية) الكيهكية قد وُضعت لتعزية وتشديد الشعب في الاضطهادات التي أصابتهم[68]، وسد الفراغ الوقتي الطويل الذي أصاب الشعب بسبب السياسة القمعية التي فرضتها الدول المتعاقبة منذ دولة المماليك البحرية (كما سبق وأشرنا). وأنا شخصيًا من أنصار هذا الرأي.
بينما يُعْزي البعض الآخر أن سبب كتابة هذه الإبصاليات (ذات الكلمات الرومية مع القبطية) على سبيل الفكاهة والفرجة[69].
رُسم قسًا علي البيع القبطية بالقدس بيد البابا يؤانس الثالث عشر (الـ94) (1200-1240 ش) (1484-1524 م)[70]، وسيرته موجودة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت ولكن غير معلوم لدينا الآن تاريخ الرسامة بالتحديد، أما تاريخ نياحته فمعلوم لدينا: حيث تنيح في فصح سنة 1208 ش[71]، وإذا عرفنا تاريخ رسامة البابا المذكور (15 أمشير1200 ش= 10 فبراير 1484)، وتاريخ عيد القيامة في سنة 1208 ش (20 برمودة)، نستطيع أن نحدد تقريبًا فترة خدمته الكهنوتية، فهي كانت فترة قصيرة (1200-1208 ش= 1484-1492 م).
كذلك لدينا شهادة أخري تؤكد هذا الكلام (زمن نياحته)، وهي جاءت عند ذكر تاريخ انتهاء نسخ إحدى المخطوطات[72].
هنا تساؤل يستحق أن يُثار عن مدى صحة نسب القس سركيس هذا للقمص إرميا الناسخ بن القمص العلم صَدقه. وللرد على هذا التساؤل نستعرض كل الاحتمالات، ولابد أن نراعي قبل أن ندرس تلك الاحتمالات البيئة التي نشأ بها والجو المحيط بكاتب هذه الإبصاليات، بيئة فيها الكثير من التأثير الثقافي اليوناني (الرومي)، مثل مدينة أورشليم القدس التي كان يُسيطر عليها الإكليروس اليوناني (الروم الأرثوذكس) خصوصًا بعد سقوط القسطنطينية تحت الحكم العثماني سنة 1453م.
أ. شهادة القمص إرميا نفسه بالمخطوطات المختلفة أن له ابن يُدعى سركيس[73].
ب. شهادة البابا يؤانس الثالث عشر (الـ94) بأنه رسم سركيس ابن القمص إرميا قسًا على البيع القبطية بالقدس[74].
ج. الإبصاليات المنسوبة للقس سركيس لا توجد بأي مخطوط قبل أواخر القرن الخامس عشر الميلادي[75]، بل تبدأ في الظهور من بداية القرن السادس عشر[76]. الأمر الذي يتناسب مع تاريخ حياة ونياحة القس سركيس ابن القمص إرميا الناسخ.
د. شهادة القمص منصور بن القس إسحق المعاصر لهما بأن مؤلِّف إبصالية الثلاثة فتية هو القس سركيس[77].
أ. لا توجد وثيقة واحدة تشهد بوضوح بأن القس سركيس ابن القمص إرميا الناسخ هو مؤلف الإبصاليات المشار إليها آنفًا.
وفي الختام كانت هذه المقالة مجرد بداية ومحاولة لتأريخ وتسجيل جهاد شخصين كانت لهما أيادٍ بيضاء في مجال الإيمنوغرافية القبطية ومحاولة ترتيب الطقوس، فأثريا بذلك حقل الإبداع القبطي رغم صعوبة الظروف المحيطة بهما. قابلًا بكل صدر رحب أي تعليق بنَّاء لإكمال مشروع إلقاء الضوء على مثل هذه الشخصيات المؤثرة في تاريخنا.
_____
[54] من أهم الدراسات السابقة حول هذه الشخصية:
- Graf, op. cit.,.(الترجمة العربية، صـ 315)
- Youhanna Nessim Youssef, "Études d'Hymnographie Copte: Nicodème et Sarkis", Orientalia Christiana Periodica, 64, 1998, pp. 383-402.
- القس شنودة ماهر اسحق، د. يوحنا نسيم يوسف، تراث الأدب القبطي تاريخ اللغة القبطية ولهجاتها مصادر الأدب القبطي ومبادئه، ط. 1، مؤسسة القديس مرقص لدراسات التاريخ القبطي، سنة 2003م، صـ 209-210.
[55] المخطوطة 109 مسلسل / 8 طقس (38 طقس بترقيم آخر) بمكتبة الدار البطريركية القبطية بالإسكندرية، الورقة 179 ظ، 232ج.
[56] اختصار لكلمة "نشؤ الرياسة" أو "نشؤ الخلافة".
[57] المخطوطة 741 مسلسل / 347 طقس بمكتبة الدار البطريركية القبطية بالقاهرة، الورقة 274ظ.
[58] المخطوطة 46 قبطي بمكتبة الفاتيكان، الورقة 136 ج.
[59] المخطوطة 743 مسلسل / 74 طقس بمكتبة الدار البطريركية القبطية بالقاهرة، الورقة 94ظ.
[60] Otto F. A. Meinardus, The Copts in Jerusalem, Cairo 1960, p. 63-65.
[61] خبر هذه الزيارة مسجل علي جزئين على يسار الباب الرئيسي القديم لكنيسة الأنبا أنطونيوس الأثرية بالدير، وهما على جانبي صليب مزخرف تحت أيقونة القديسين الروميين مكسيموس ودوماديوس، على النحو التالي:
I - اذكر يا رب عبدك
- القمص صدقه والقس ارميا والديه
- وعبد السيد و...
- وصهيون...
- امين
II - اذكر يارب عبدك سركيس وخلصه من طربات (كذا، وصحتها: ضربات).
- الشيطان واغفر له الماضية والمستانفة
- بطلبات الابا(ء) والانبيا(ء) والرسل والشهدا(ء) والقديسين آمين
- تاريخ هده... (1260 كذا، ولعلها 1160) للشهدا(ء) الأطهار
بهذه المناسبة لابد أن أذكر بالشكر تعب ومحبة الأب الراهب بولس الأنطوني أثناء نقل هذا الخبر في مايو 2003م.
[62] الأبصلمودية السنوية المقدسة، صـ56-63.
[63] الأبصلمودية الكيهكية، طبعة إقلاديوس بك لبيب، سنة 1627ش-1911م، صـ33-147، وهي في الواقع عادة عند الكثير من واضعي ومؤلفي الإبصاليات القبطية.
[64]كان هذا الرهب أحد الأربعة رهبان الأقباط الذين درسوا بالمدرسة اللاهوتية اليونانية بأثينا في بداية القرن العشرين، راجع مقالة للمؤلف "بعثة الرهبان الأقباط لبلاد اليونان (1900-1904م)"، أسبوع القبطيات الثامن بكنيسة السيدة العذراء بروض الفرج، سنة 1716ش- 1999م، صـ 262-269.
[65] الأبصلمودية الكيهكية، صـ 33، هامش (1).
[66]علمت أثناء إعداد هذه المقالة أن الأخ العزيز سامح فاروق حنين المعيد بكلية الآداب جامعة القاهرة، قد أعد بحثًا فيلولوجيًا حول هذه الإبصالية، لذلك سوف لا أتعرض لهذا الموضوع منعًا للتكرار.
[67]المخطوطة 32 قبطي بالمكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، الورقة 121ج [...وعند انتهاء الأرباع يرتل الشمامسة والموجودين بهذه الإبصالية تصنيف القس سركيس ولها طريقة معروف به...]. ومما هو جدير بالذكر أن ناسخ هذه المخطوطة هو القمص منصور بن القس اسحق كاهن كنيسة الأمير تادرس المشرقي بحرات بني وايل (وهي الكنيسة المجاورة لكنيسة الشهيدين أباكير ويوحنا)، وتاريخ نسخها يوم الأربعاء (عيد) النيروز سنة 1226 ش (29/8/1509م)، وبها كثير من الأحداث التي اشترك فيها الناسخ في الفترة بين عامي 1476-1509م، أي أنه كان معاصرًا للقس سركيس، بالتالي شهادته ثقة. كما يؤكد العالم الألماني الأب جورج جراف نفس المعلومة، راجع:
Graf, op. cit.
[68] [...هولاى طروحات مستجدة تقال في شهر كيهك على السبعة والأربعة خارجًا عن المدون في البيعة لأجل عزا الشعب الذي بالبيعة وقيام نظام البيعة الرب يديم تعميرها...] المخطوطة 32 قبطي بالمكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، الورقة 23ظ، [...هولاى طروحات (عربي) تقال في شهر كيهك على السبعة والأربعة في صلاة نصف الليل زيادة عن المدون لأجل كثرة الشعب عزا للقاريين وبهجة لقيام نظام البيعة...] المخطوطة السابق، الورقة 71ج.
[69] الأبصلمودية السنوية، صـ 63 (الحاشية).
[70] (... وقد تنيح فخر الدولة صركيس المشار إليه بعد أن تكرز قساَ على البيع القبطية بالقدس الشريف وخدم في الكهنوت وتكريزه من يد الحقير مسطر هدا الحروف...)، والكلام هنا للبابا يوأنس نفسه، المخطوط 109 مسلسل / 8 طقس (38 طقس بترقيم آخر) بمكتبة الدار البطريركية القبطية بالإسكندرية، الورقة 179 ظ، 232ج.
[71] (... وكانت نياحته في فصح سنة 1208 نيح الله نفسه ونور رمسه...) المخطوط السابق، علمًا بأن عيد القيامة سنتها كان موافقًا يوم الأحد 15/4/1492م.
[72](... خامس برمهات سنة 1209ش وذلك بعد نياحة القمص ارميا بمدة وكذلك ابنه سركيس...)، المخطوط 886 مسلسل / 322 طقس بمكتبة البطريركية بالقاهرة، وبالورقة 36ج.
[73] راجع المخطوطات: 741 مسلسل / 347 طقس بمكتبة الدار البطريركية القبطية بالقاهرة، الورقة 274ظ، 46 عربي الفاتيكان، الورقة 136ج.
[74] المخطوط 109 مسلسل / 8 طقس (38 طقس بترقيم آخر) بمكتبة الدار البطريركية القبطية بالإسكندرية، الورقة 179 ظ، 232ج.
[75] على سبيل المثال لا الحصر: المخطوط رقم 3 قبطي بالمكتبة الوطنية النمساوية بفيينا، تاريخ نسخه يوم الجمعة العاشر من بشنس 1202 ش (5 مايو 1486 م)، وهو عبارة عن إبصلمودية وقف دير القديس الأنبا مقار ببرية شيهيت (الورقة 127ج). وهو لا يشمل أي من تلك الإبصاليات.
[76] المخطوط 32 قبطي بالمكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، الورقة 121ج [...وعند انتهاء الارباع يرتل الشمامسة والموجودين بهذه الإبصالية تصنيف القس سركيس ولها طريقة معروف به...]. والمقصود بهذه الإبصالية: إبصالية الثلاثة فتية.
[77] الهامش السابق.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-basilous-sobhy/characters/sarkis.html
تقصير الرابط:
tak.la/9t9tthy