الاختيار الحر لشريك العمر يعني ألا تُوضع "علىَّ" قيود تعوقني عن اتخاذ قرار الارتباط بملء حريتي، كما يعني في ذات الوقت أن أُعطَي مطلق الحرية للطرف الآخر كي يتعرف على شخصيتي، ويستحسن منها ما يستحسن، ويرفض ما يرفض، ولا أنكر عليه حريته في أن يقبلني شريكا أو أن يرفض الارتباط "بي"، فالأمر يتعلق بحرية "الآخر".
كثيرا ما يعجب المرء بشخص من الجنس الآخر، ويتمنى الارتباط به. ويفكر كثيرًا في الميزات التي يراها فيه، والتي لأجلها يريده شريكًا، وذلك دون أن يفكر في حق الطرف الآخر في الاختيار الحر والتقييم والاقتناع، أو في رفض الارتباط به نتيجة لعدم القبول، أو عدم الانجذاب لنمط شخصية، في وقت يرى الأول نفسه فوق مستوى الرفض، وقد لا يجد سببًا مقنعًا يبرر قرار الطرف الآخر بعدم الارتباط. وقد يحاول مرة ومرات استئناف المفاوضات من أجل إقناع الآخر، أو على الأقل التعرف على سبب الرفض. ولم يضع في اعتباره الحرية الشخصية، إن الحرية الشخصية في مجال الاختيار الزوجي تعني حرية الآخر في أن يرسم صورة شريك حياته بالطريقة التي يراها ويفضلها، صورة يضع كل شخص ملامحها الأساسية وخطوطها العريضة، ويظل ساعيا إلى تحقيقها في شخص يلتقي به في الواقع. شخص تقترب صفاته وطباعه وأخلاقه من تلك الصورة المرسومة في داخل من يختار، صورة في قلب شخص واقعي ناضج.
من هنا لا يكون الاعتراض على الارتباط بشخص ما ناتجًا عن عيب فيه، بقدر ما يكون ناتجًا عن اختلاف شخصيته عن الصورة التي رسمها الآخر لشريك العمر.. وبناء على ذلك لا ينبغي أن يُستقبَل هذا الاعتراض بحساسية مبالغ فيها، ولا ينبغي أن تضعف ثقة الفرد بنفسه من جراء شعوره بالرفض، فكثيرًا ما يرجع الرفض إلى عدم الانجذاب للآخر، أو إلى الشعور بعدم التناسب معه، وكلها وجهات نظر ينبغي أن تُقَّدر وتُحتَّرم. غير أنه في حالات أخرى قد يرجع الرفض إلى اكتشاف عيب معين يعتبر من وجهة نظر الطرف المعترض عيبا جوهريا تستحيل معه الحياة الزوجية.
إن الذاتية، أي رؤية المواقف من منظار ما يرجوه الفرد لذاته، لا تسمح للآخر بالاعتراض. ولا تعترف كثيرًا بالحرية الشخصية. وقد يصاب صاحبها بالإحباط حينما لا يتحقق له ما يريد، وقد يعادي أو يقلل من شأن من يقف حائلًا أمام رغباته... لذا فمن يريد اختيارًا حقيقيًا مؤديًا إلى زواج ناجح فليكن موضوعيا في تفكيره، وليُعطِ الحرية كاملة للآخر، وليقبل النتائج بفكر ناضج، وانفعال متوازن، وباحترام أكيد للفروق الفردية، والاختلافات الطبيعية بين البشر.
كثيرا ما يفكر شاب في الارتباط بفتاة، في وقت يتقدم شاب آخر للارتباط بها، وقد يردد عبارات تعني أن كرامته لا تسمح بأن يوضع في مثل هذا الموقف، وأنه يريد من الفتاة أن تفكر فيه هو فقط دون مقارنات وكأنه يعترض على حرية الاختيار بسبب حساسية ذاتية... أما إذا نظر إلى الأمر بموضوعية فسوف نعتبر المقارنة أمرًا طبيعيًا بل ومهمّا حتى يتمكن الفرد من صنع قرار بناء على دراسة وتحاليل بلوغًا إلى الاختيار الأنسب، عندئذ سيأتي الاختيار حرًا وعن اقتناع حقيقي، وهذا يعطي ارتياحًا للشخص المختار، ويكسبه ثقة بالنفس، حيث الاختيار وقد تم بالقناعة الداخلية وليس بسياسة الأمر الواقع، من الناحية الأخرى فإن وضع المفاضلة قد يسفر عن اختيار أحدهما وقد لا يسفر عن اختيار أي منهما. والأمر في كل الأحوال مفوَّض إلى حرية من يختار.
يتضح من كل ما سبق أن اختيار شريك العمر ينبغي أن ينبع من تقديرنا لقيمة الشخص ككائن حر فريد مهم بحد ذاته، نعجب به لشخصه، ولا نُملي عليه شروطنا. ولا نحجر على حريته، كما ينبغي أن نعطي للشابة نفس حق الشاب في الاختيار الحر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/adel-halim/lifetime-partner/free.html
تقصير الرابط:
tak.la/kq2bmpm