اختيار شريك العمر قرار من أهم القرارات التي يصنعها الإنسان في حياته. فهو قرار مصيري يُتخَذ في الحاضر، ولكنه يؤثر على المستقبل، لما له من أبعاد وأصداء نفسية واجتماعية وروحية على امتداد الزمن.
من أشهر التساؤلات التي تدور في أذهان الشباب هذا التساؤل: "كيف اختار شريك العمر؟.. وكيف أتعايش معه؟"، وكثيرًا ما يتوقعون إجابات محددة، أو خطة للاختيار، أو برنامجًا يسيرون علي هداه يؤدي بالنهاية إلى "الاختيار الأمثل"..!!
غير أن الاختيار مسألة نسبية تقديرية تختلف أبعادها من شخص إلى آخر، وهو أيضًا مسألة تبادلية تتلاقى خلاله رغبتان، ففي الوقت الذي اختار فيه "الآخر" ينبغي أن يختارني "الآخر"، وذلك بعكس اختياري "للشيء" الذي ليس لديه حرية الاختيار أو الرفض...
كثيرًا ما يتطلع الشباب إلى "اختيار مضمون..!" أي اختيار لا يفشل ولا يؤدي إلى مشكلات زوجية مستقبلًا!! وهي فكرة نابعة من تخوف الوقوع في زيجات فاشلة مثل التي نراها حولنا كل يوم في مجال الأهل والأقارب والأصدقاء، غير أنه قد غاب عن الذهن تمامًا أن الزوجين وحدهما هما القادران على صنع النجاح أو الفشل وذلك من خلال حركة اكتشاف شريك العمر، حركة التكيف الزوجي، حركة التطبيع والتواؤم.. إن الحياة الزوجية الناجحة لا تتوقف عند حسن الاختيار (لو صح هذا التعبير) بل تتجاوز الاختيار إلى حركة سعي دائم نحو شريك العمر من أجل التناغم معه شخصيًا على مدى الزمن.
في اختيار "شيء" من بين أشياء يُبنى الاختيار غالبًا على ما لدى الشيء من خصائص محدودة، بمعنى أن لكل شيء خصائص محدودة، ومتى وفَّى الشيء بالخصائص التي يرغبها الشخص صار اختياره أمثل وأنسب، وأضحى الفرد راضيًا غير متوقِّع من الشيء أفضل مما فيه، غير أنه إذا فقد الشيء بعضًا من خصائصه فكر الفرد في الاستغناء عنه مستبدلًا إياه بشيء أكثر كفاءة، وهذا ما نمارسه مثلًا مع الأجهزة الكهربائية التي تضعف كفاءتها بالاستعمال المستمر حتى ينتهي عمرها الافتراضي.. يمكننا -إذن- أن نُطلق على هذا النوع من الاختيار تعبير "الاختيار المشروط".
هناك نوع آخر من الاختيار فيه لا يفترض الشخص حدودًا لما يختار أو -بلفظ أدق- لمن يختار، ولكنه يقبل "الآخر" كما هو (هي) بحالته الحاضرة التي تشمل ميزات تعجبه كما تنطوي على عيوب لا تروق له، ولكنه يقبل "الآخر" على أية حال، ويتفاعل معه، ويتوقع له النمو والتغير يوما فيومًا، باعتباره شخصًا حيًا متفاعلا وليس آلة محدودة مبرمجة... يمكننا -إذن- أن نطلق على هذا النوع من الاختيار "الاختيار المفتوح".
وهكذا نجد اختيار الأشياء محدودًا مقيدًا مغلقًا، بينما يأتي اختيار الأشخاص متسعًا طليقًا مفتوحًا... من هذا المنطق يمكننا أن نتفّهم كيف يُختار شريك العمر، باعتباره شخصًا حرًا متمايزًا مهما بحد ذاته، يليق به أن نختاره دون أن يتعارض اختيارنا إياه مع حريته وخصوصيته. ولهذا ينبغي أن نلجأ إلى "الاختيار المفتوح" حيث نضع أنفسنا موضع اختيار بين يدي "الآخر" بقدر ما نسمح لأنفسنا أن نختاره.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/adel-halim/lifetime-partner/choice.html
تقصير الرابط:
tak.la/nmm9c7z