تزخر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالآباء الرهبان الذين نذروا أنفسهم في بتولية للحياة مع المسيح في نسك وصلوات وابتهالات لخدمة الكنيسة.. من هؤلاء الراهب شاروبيم الباخومي وكيل مطرانية الإسكندرية، الذي ترك العالم وكل ما فيه متجهًا إلى دير الأنبا باخوميوس بحاجر إدفو منذ أكثر من ربع قرن متخطيًا كل الصعوبات التي وقفت حائلًا أمامه في طريق الرهبنة التي أحبها من كل قلبه وفكره فكان الرب معه..
وقد دخل الدير في أوائل عام 1979.. ومنذ اليوم الأول كانت تصحبه روح الخدمة والبذل بسرور، فأحبه إخوته الرهبان، وقدموه على أنفسهم.. وقبل أن يمضي عام 1979 كان قد سيم راهبًا في سابقة نادرة في تاريخ الرهبنة.. وفي 21 مارس 1982 سيم كاهنًا.. وقد احتفل عام 2007 م. باليوبيل الفضي لسيامته..
عن ربع قرن في حياة الراهب شاروبيم الباخومي، يتحدث نيافة الأنبا هدرا مطران أسوان ورئيس دير الأنبا باخوميوس بحجر ادفو:
* عرفت القمص شاروبيم الباخومي -وصفي منير عازر- وهو شاب قبل أن يختار حياة الرهبنة، فهو من أبناء كوم أمبو، نشأ في أسرة مسيحية عريقة متدينة، وكان والده المتنيح رجلًا كنسيًا يواظب على حضور كل القداسات. فبذر في أبناءه بذور الإيمان ومحبة الكنيسة، وأشقاء القمص شاروبيم الباخومى يخدمان معنا في الكنيسة: القمص رويس عازر بخدمة قرى كوم إمبو، والقمص بولس منير عازر الكاهن بكنيسة مارجرجس كوم امبو. وهم أسرة مباركة تعمل في حقل الرب.
* ولد القمص شاروبيم الباخومي في 3 يناير عام 1953، وتلقى تعليمه في مدارس كوم آمبو، وبعد أن حصل على الثانوية العامة، إلتحق بكلية الآداب جامعة الاسكندرية.. وفي مدينة الأسكندرية التصق بالكنيسة والخدمة، ووجد الجو الروحي الذي جذبه للحياة مع الله، وكأن الله القدوس أرسله إلى هناك ليعده إعدادًا روحيًا لخدمة أعظم.. وكان نابغًا في دراسته. ولما تخرج في قسم اللغة الفرنسية، عاد إلى كوم أمبو ليعمل مدرسًا بالمدرسة الثانوية، ولم يشغله عمله وإخلاصه وتفانيه ومحبته لتلاميذه عن خدمة الكنيسة. فكان أمينًا لمكتبة الكنيسة، ولشغفه بالقراءة كان يقضي معظم وقته داخل المكتبة التي تزخر بكتب الآباء الأولين وإصدارات الكنيسة الحديثة.. واقترب من المتنيح الكاهن المبارك القمص جرجس شحاته راعي الكنيسة، واتخذه له أبًا في الاعتراف، ومرشدًا روحيًا.. وكان منشغلًا بخلاص نفسه، فلم ينس الشاب وصفي نفسه في زحمة الخدمة والعمل، بل كان حريصًا على الامتلاء بالروح، وكان يقضي أيامًا في خلوات روحية بدير الأنبا باخوميوس.
* وكانت رغبة الشاب "وصفى" في الرهبنة ملحة وقوية، وكان دير الأنبا باخوميوس في بداية التعمير ويحتاج إلى نهضة رهبانية، ولكني رأيت أن أتركه يختبر الحياة الرهبانية من خلال زيارته للدير والخلوات التي يقضيها هناك.. إلى أن كان اليوم الذي اختاره له الرب، كقول الكتاب: "إني أردته، قم وامسحه لأن هذا هو" (سفر صموئيل الأول 21:16). وكان ذلك في بداية عام 1797، ولأنه كان معدًا للخدمة لم تطل فترة الاختبار، وسيم راهبًا في نفس العام، واخترت -أي الانبا هدرا- له اسمًا مباركًا وهو "شاروبيم".. وفي يوم 21 مارس 1982 نال نعمة الكهنوت.. كانت يد الرب معنا، وكانت عيني عليه.. لم يكف لحظة واحدة عن بذل الذات والتفاني في الخدمة.. ثم أسندت إليه مسئوليات عديدة في الدير، فكان يعمل بلا كلل في تعب وسهر.. وكان من اهتماماته -مثلًا- مضيفة الدير، فكان يُرحِّب ببشاشة بضيوف الدير ويخدمهم بكل تواضع، فجذب الكثيرين من كل مكان لزيارة الدير.
* وعن اختيار الراهب القمص شاروبيم الباخومي وكيلًا لبطريركية الإسكندرية، يقول نيافة الأنبا هدرا: إنه كان محبًا لحياة الرهبنة والوحدة والسكون، فلم يغادر الدير منذ ان دخله في عام 1979، حتى حين تنيَّح والده لم يخرج لتشييع جنازته والصلاة على جثمانه وتلقي تعزيات المعزين، رغم أن المسافة بين الدير ومدينتهم -كوم أمبو- لا تتجاوز 60 كيلومترا. إذ كان يرى أنه قد مات من قبل والده، وفارَق العالم منذ لحظة دخوله الدير.. ومرات كثيرة طُلِب منه الخدمة خارج الدير، فكان يرفض وبشدة، ولم يترك الدير لمدة سبعة عشر عامًا.. إلى أن كان عيد الأنبا باخوم في مايو 1996، وحضر نيافة الأنبا يوأنس سكرتير قداسة البابا شنودة الثالث ليشاركنا الاحتفال، وكان قداسة البابا شنودة قد طلب منه اختيار أحد رهبان دير الأنبا باخوميوس ليكون وكيلًا لبطريركية الإسكندرية (1996-2009 م.(2)).
* ويواصل نيافة الأنبا هدرا حديثه فيقول: في الحقيقة عندما أخبرني الأنبا يؤانس بهذا، أخذت أفكر كثيرًا، فقد كنت أرى أن الراهب شاروبيم الباخومي هو خير مَنْ يتولى هذه المسئولية، ولكنني كنت أعرف أنه يرفض تمامًا الخروج من الدير.. ولأنه لم يكن أمامي اختيار آخر، فقد صليت إلى الرب، وطلبت من القديس الأنبا باخوميوس أن يدبِّر ما هو لصالح الكنيسة.. وبعد احتفالات العيد تحدثت معه.. وعلى عكس ما توقعت، وما حدث في كل المرات السابقة، وجدته يقول لي في خشوع وطاعة: "أنا رهن طلبات أبي الطوباوي قداسة البابا".
_____
(1) مقال: في اليوبيل الفضي لسيامة الراهب القمص شاروبيم الباخومى - الأنبا هدرا يتحدث عن اختيار راهب باخومي وكيلًا لبطريركية الإسكندرية - فيكتور سلامة - وطني 1/4/2007.
(2) عن كتاب "كهنة الإسكندرية في عهد قداسة البابا شنوده الثالث 1971م-2012م"، تقديم: نيافة الحبر الجليل الأنبا إرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، إشراف: القمص رويس مرقص مشرقي وكيل عام البطريركية بالإسكندرية، إعداد وتصوير: المهندس عماد نصري رئيس قسم تسجيل وتوثيق الآثار القبطية بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، مطبعة دير الشهيد العظيم مارمينا العجائبي بمريوط، الطبعة: الأولى - مارس 2014 م.، رقم الإيداع: 5954/2014، الترقيم الدولي: 978-977-334-143-5، ص. 11.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/Saints/Modern-Coptic-Figures/Priest-Monk-Father-Cherubim-Al-Bakhoumy.html
تقصير الرابط:
tak.la/faraww3