إن الشيطان إذا وجد الإنسان حريصًا يقهر ذاته في كل ملاذ الجسد، قد يحاول أن يدخل معه في حرب أخرى، لكي يجعل للذات مجالًا للظهور في محيط الخدمة!
وما أسهل أن يجد الإنسان في الخدمة مجدًا وظهورًا وإشباعًا للذات.
ما أسهل أن يتخذ إنسان العظة لعرض معلوماته، والإعلان عن مواهبه ومعارفه، حتى إن كان كل ما يقوله بعيدًا كل البعد عن خلاص النفس وعن موضوع العظة! ويقف الشيطان ضاحكًا راضيًا عن العظة التي تهلك الواعظ، ولا تفيد أحدًا من الموعوظين!
ما أسهل أن الخادم يربط المخدومين بشخصه وليس بالله. أو يكون منهم فريقًا يناصره إذا تعب. وهنا تبدو الذات واضحة.
أما الروحيون فهم ليسوا كذلك.
العظة بالنسبة إليهم هي محاولة مخلصة للدخول إلى أعماق النفس لأجل تطهيرها وتقريبها إلى الله، بترك خطاياها، وبمحبة الخير والله، أيًا كانت اللغة أو الأسلوب.
فالمهم هو الهدف الروحي.
شتان بين عظة يخرج منها السامعون قائلين [هذا واعِظ عَلاَّمة] وبين عظة يخرجون منها قائلين نريد أن نتوب...
ذاته الواعظ أو المعلم أو الكارز، ليست هي الهدف، إنما الهدف هو خلاص النفس. والواعظ الناجح هو الذي يكسب نفوسًا للرب، وليس الذي يكسب تقديرًا شخصيًا من سامعيه... وما أجمل قول المرنم في المزمور:
"ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز115: 1).
العظة هي أن نكشف للموعوظ ذاته وحروبه: ونعلمه كيف يدين ذاته وكيف ينتصر عليها: لا أن نقدم له معلومات لا يدان في اليوم الأخير على جهله إياها!
ولو أن كل واعظ نقي عظته من الذات، وركزها على خلاص الآخرين، لكسبنا للملكوت كسبًا عظيمًا...
"ينبغي أن ذاك يزيد. وإني أنا أنقض" (يو3: 30).
وهكذا كان يوحنا يحول كل محبة الناس إلى المسيح ويختفي هو. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). إنه لم يأت ليشهد لنفسه، وإنما" ليشهد للنور، ليؤمن الكل بواسطته" (يو1: 7).
جاء يعد الناس لاستقبال المسيح، ويهيئ له شعبًا مستعدًا (لو1: 17) وينجح يوحنا في رسالته لاختفاء ذاته. ونسجل هنا حقيقة هامة:
هناك أمران تنجح الخدمة بهما:
1- أن يكون الله هو الهدف.
2- وإن يكون الله هو الوسيلة ولا تكون الذات هدفًا ولا وسيلة.
ذلك لأن كثرين يعتمدون على ذاتهم في الخدمة اعتمادًا أساسيًا، على ذكائهم ومعلوماتهم وتأثيرهم الشخصي كما يعتمدون على شهرتهم وهيبتهم في قبول الناس لتصرفهم ولكلامهم..! وأين الله؟
وإذ لا يدخل الله في الخدمة، تفشل وتظهر الذات. وإذ تقل الصلاة في الخدمة، تضع لأن الله لم يباركها.
إن خدمة الروحيين لها طابعها الخاص: تشعر فيها أن الله هو الذي يعمل. وهو الذي يبارك كل خطوة وأنها ليست نتيجة فلان أو فلان...
لذلك يوجد أيضًا السلام في محيط الخدمة، وتوجد المحبة أيضًا والتعاون. وليس فقط كل واحد يختفي لكي يظهر الله، إنما أيضًا يختفي لكي يقدم غيره من الخادمين على نفسه.
أما إن وجد في الخدمة بولس وأبلوس. فهنا توجد الذات. وتوجد معها الشقاقات (1كو3: 3، 4).
ولهذا نصح السيد المسيح تلاميذه بأن يبعدوا الذات عن محيط الخدمة، حينما فكروا من يكون الأول فيهم. وقال لهم:
"لا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم. ويبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت20: 26 – 28).
وما أجمل قول الشيخ الروحاني:
[كل مكان حللت فيه. كن صغير أخوتك وخديمهم].
إن محبة الرئاسة حرب شديدة قد تعمل على إفساد الخدمة. وكذلك التنافس ومحبة الظهور. وكلها ناتجة عن الذات.
وهذه كلها عالجها السيد المسيح بمبدأ "المتكأ الأخير" (لو 14: 10).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/act98dz