المنشغل بالحياة الحاضرة لا يبكي.
بل قد يقول مثل الغنى الغبي: "أهدم مخازني وأبني أعظم منها، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي: يا نفسي لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة فاستريحي وكلى واشربي وافرحي" (لو 12: 18، 19)
إن متع الدنيا تلهيه عن أبديته، فلا يبكي، بل يفرح ويتمتع!!
أما الإنسان الروحي، فإن يضع أبديته أمامه في كل حين، ويدرك أن يوم الرب قد يأتي كلص (رؤ 16: 15)، تراه يستعد لهذه الأبدية، وما تستلزمه من حياة التوبة والجهاد والكمال المطلوب والقداسة..
وإذ يذكر الموت يبكي.. لأنه ليس مستعدًا له..
ولا يزال أمامه جهاد طويل، لم يسر فيه خطوه واحدة..
إن أرسانيوس العظيم، رجل الوحدة والصمت والصلاة، كان يبكي لتذكار الموت..
إن كان الإنسان الروحي يبكي لتذكار الموت بصفة عامة..
فكم يكون بكاؤه إن كان الموت متوقعًا لسبب واضح يوحي به!
إن البكاء وحدة ليس هو كل شيء. وليس هو بسبب مفارقة الأهل والأحباب أو مفارقة ملاذ الدنيا، كما يفعل أهل العالم ومحبوه!
إنما هو بكاء مصحوب باستعداد روحي، استعداد لمقابلة الله.
وهكذا كان القديسون ينصحون بتذكار الموت، وبزيارة المقابر.
إن القديس الأنبا أنطونيوس تأثر روحيًا بوفاة أبيه بالجسد، وزهد الدنيا وخرج منها بإرادته، قبل أن يخرجوه كارِهًا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى).
وموكب موت شاهده الأنبا بولا ترك تأثيره أيضًا، فترك العالم والمال والقضايا، وصار أول السواح.
وكان القديس أبا مقار الكبير يضع أحيانًا جمجمة تحت رأسه تذكره بالموت. وأبا مقار الأسكندراني زار إحدى المقابر. والقديس أنطونيوس الكبير في بدء حياته الرهبانية سكن في مقبرة..
تِذْكَار الموت له فوائده العديدة، الدموع واحدة منها..
تذكار الموت يوقف الإنسان أمام حقيقة نفسه، وأنه مجرد بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل (يع 4: 14)، وأنه "كزهر الحقل كذلك يزهر. لأنن ريحًا تعبر علية فلا يكون، ولا يعرفه موضعه بعد" (مز 103: 15، 16).
ولذلك حسنًا قال داود النبي:
"عرفني يا رب نهايتي، ومقدار أيامي كم هي، لأعلم كيف أنا زائل" (مز 39: 4).
وقال أيضًا "إِنَّمَا نَفْخَةً كُلُّ إِنْسَانٍ قَدْ جُعِلَ. إِنَّمَا كَخَيَال يَتَمَشَّى الإِنْسَانُ" (مز 39: 5، 6).
بتذكار الموت، يتضع الإنسان وينسحق.
والاتضاع والانسحاق يجلبان الدموع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/94pkq79