2- الخجل والخزي(1):
الخجل والخزي يصاحبان التوبة، متى شعر التائب ببشاعة الخطية.
وكأنه يقول لنفسه: كيف أمكن أن أسقط إلى هذا المستوى؟ أين كان عقلي؟ وأين كان ضميري؟ حين فعلت هذا... كيف ضعُفت هكذا؟ وكيف استسلمت؟ وكيف نسيت صورتي الإلهية، ووضعي الروحي؟!
إنه يخجل من خطيته، التي تقف أمامه كل حين (مز 50).
تُطارده صور الخطية كأنها سياط من نار تُلهب ضميره، فيشعر بخجل من نفسه. وقد يخفي وجهه ويضع يديه على عينيه، كأنه لا يريد أن يرى. هو أمام نفسه إنسان قد ضُبِط في ذات الفعل.
ولا يستطيع أن يرفع وجهه إلى الله من شدة خجله.
مثل العشار الذي قيل عنه إنه "وقف من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء" (لو 18: 13). بل قرع صدره معترفا بخطيته طالِبًا الرحمة.
ومثال الابن الضال، الذي من فرط خجله قال لأبيه "لست مستحقًا أن أدعى لك ابنا" (لو 15: 19).
وكلما يتذكر خطيته، يقول مع المرتل في المزمور:
"اليوم كله خجلي أمامي، وخزي وجهي قد غطّاني" (مز 44: 15).
وكأنه يقول مع دانيال النبي "لك يا سيد البر. أما لنا فخزي الوجوه" (دا 9: 7). إنه يخجل من عار الخطية ومن فضيحتها. ويخجل من دنس الخطية ومن نجاستها. ويخجل من هزيمته أما الخطية، كما لو كان جنديا سَلَّمَ سلاحه للعدو وأُخِذَ أسيرًا...
ويخجل من محبة الله له، ومن قدسية الله...
يخجل كلما قارن معاملته لله، بمعاملة الله له. وكيف أنه قابل محبة الله بالجحود والنكران، بل وبالخيانة أيضًا... وكيف أن الله كان يراه في سقطاته، الله الكلي القداسة والكمال... ويخجل من طول أناة الله عليه، وكيف صبر عليه حتى تاب.
ويخجل من أرواح القديسين والملائكة.
الذين كانوا يرونه في سقطته ويتعجبون، ويُصَلّون من أجله لكي يقوم... بل يخجل أيضًا من أرواح أقربائه وأصدقائه الذين انتقلوا، وكيف إنهم لابد تعجبوا إذ رأوا أن حالته هكذا...! كيف يواجههم فيما بعد.
بل يخجل من أعدائه الذين يشمتون به إن عرفوا سقطاته.
هو يخجل من كل هؤلاء، بل يخجل أيضًا من الكنيسة وقدسيتها، ويخجل من الهيكل والمذبح ومن التقدم للتناول. ويخجل من صلواته التي فيها عبارات عن محبة الله والالتصاق به، وهو الذي فصل نفسه عن هذه المحبة...
ويخجل من وعوده التي وعد بها الله قبلًا.
وكيف أنه حَنَثَ بكل عهوده، حتى تلك التي كلَّم الله فيها بجدية كبيرة، وربما كان ذلك أمام المذبح، أو وهو واضع يده على الإنجيل، أو في مناسبات روحية...
ويخجل أيضًا في اعترافاته، كلما يذكر بشاعة خطاياه.
نفسه تصغر في عينيه. ويشعر باحتقار لهذه النفس في حالة سقوطها وضعفها، وكأنه يريد أن يتبرأ من ماضيه كله. ويخزى من نسبة هذا الماضي إليه...
ومع هذا كله، فالخزي من الخطية علامة صحية.
إنها تدل على أن الإنسان رافض لها ومُشمئز منها. وهذه علامة على نقاوة القلب، وتختلف عن حالة السقوط التي كان فيها قابلًا للخطية أو راضيًا عنها أو ملتذًا بها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وإن بقى معه هذا الخزي من الخطية، فإنه يساعده على عدم السقوط في المستقبل.
وهناك أنواع من الناس تحاول الهروب من الخزي والخجل.
وذلك بأعمال خاطئة تدفعهم إلى التمادي في الخطية. إذ قد يستغل الشيطان خجلهم من خطاياهم السابقة، ويدفعهم إلى تغيير الوسط الديني الذي يعيشون فيه، والذي يخجلون من مقارنة سقطاتهم بنقاوته، أو يدعوهم إلى تغيير أب الاعتراف، إذ يخجلون من سرد خطاياهم أمامه، أو إلى ترك الاعتراف كله، أو ترك الكنيسة وحياة التدين. أو إنهم يهربون من خجلهم، بالاستغراق في حياة الترفيه واللهو والضحك...
وكل هذه تصرفات يائسة ضد حياة التوبة.
لذلك نحن نطوّب التائبين الذين يشعرون بالخزي من خطاياهم.
ويرافق هذا الخزي أيضًا الندم والدموع ووخز الضمير.
_____
(1) انظر كتابنا "اليقظة الروحية"، فيه فصل عن الخجل كأحد المشاعر التي تصاحب اليقظة الروحية (من ص 65 إلى ص 74).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f3r2akh