إليهو يعلمنا احترام الكبار، ولكن ليس فوق الحق.
كان صمت طول مدة الحوار بين أيوب وأصحابه " لأنهم كانوا أكثر منه أيامًا" (أي 32: 4)، أي أكبر منه سنًا، ولكن "لما رأي أنه لا جواب في أفواه الرجال الثلاثة"، " وليس من حاجج أيوب " حينئذ حمي غضبه" (أي 32: 5، 12).
فقال لهم " أنا صغير الأيام، وأنتم شيوخ. لأجل ذلك خفت، وخشيت أن أبدى لكم رأيي. قلت الأيام تتكلم، وكثرة السنين تظهر حكمة" (أي 32: 6، 7). فلما لم يظهروا تلك الحكمة، اضطر أن يتكلم..
يبدو أليهو- في تجربة أيوب - إنسانًا ذا هيبة يكلم أولئك الشيوخ بسلطان. ولم يجادله أحد. كان كمن يمثل الله.
وقد رد علي أيوب في كثير من أقواله، ووبخه. كان أيوب قد قال " أريد أن أحاكم إلي الله "(أي 13: 3)" وأحسن الدعوى أمامه" (أي 23: 4). وقال لله "لا تدع هيبتك ترهبني" (أي 13: 21).
فرد عليه أليهو في مهابته وقال "إن استطعت فأجبني، وأحسن الدعوى أمامي. انتصب. هأنذا -حسب قولك- عوضًا عن الله. أنا أيضًا من الطين تقرصت. هوذا هيبتي لا ترهبك، وجلالي لا يثقل عليك" (أي 33: 5-7).
وبدأ أليهو يناقش أيوب، ويرد علي كل نقطة. وواجهه: " قلت أنا برئ بلا ذنب. زكي أنا ولا إثم لي. هوذا يطلب علي علل عداوة، يحسبني عدوًا له.. يراقب كل طرقي "" ها أنك في هذا لم تصب "(أي 33: 9-12). وأفحمه بنقطتين:
أولًا - إن الله لا يناقش في أحكامه. ذا قال له "لماذا تخاصمه؟ لأن كل أموره لا يجاوب عنها" (أي 33: 13). والنقطة الثانية هي أن الله " يؤدب بالوجع " ليمنع الإنسان الكبرياء والمجد الباطل. وهكذا قال عن الله:" ليحول الإنسان عن عمله، ويكتم الكبرياء عن الرجل، ليمنع نفسه عن الحفرة "(أي 33: 17- 19) " ليرد نفسه من الحفرة، ليستنير بنور الأحياء" (أي 33: 30).
ومن العبارات الهامة التي نطق بها أليهو، ما ذكره عن الفدية، والقيامة، والإنقاذ من التجربة والموت..
إنها كلمات يقولها لأيوب عن عمل الله "يعلن للإنسان استقامة" يتراءف عليه. ويقول أطلقه من الهبوط إلي الحفرة، قد وجدت فديه "يصير لحمه أغضن من لحم الصبي، ويعود إلي أيام شبابه" يصلي إلي الله فيرضي عنه، ويعاين وجهه بهتاف. فيرد علي الإنسان بره "(أي 33: 24- 26). ومن أجمل كلماته المعزية، قوله لأيوب:
"تكلم، فإني أريد تبريرك" (أي 33: 32).
ويتبعها بقولة "وإلا استمع أنت لي. أنصت فأعلمك الحكمة" عجيبة هذه العبارة يقولها إليهو في مهابة لشيخ مثل أيوب! ولكنه كما قلت: كان يمثل الله في مواجهة أيوب، بل كان يمهد لمخاطبة الله له..
كيف إذن علمه الحكمة؟ بتوبيخ وبنصيحة.
أما النصيحة فهي، لكي يرد الله عليه بره:" يغني بين الناس ويقول: قد أخطأت وعوجت المستقيم، ولم أجاز عليه. فدي نفسي من العبور إلي الحفرة "(أي 33: 26- 28). وأيضًا أيوب لم يحسن التخاطب مع الله، كما شرح أليهو: "هل لله قال: احتملت. لا أعود أفسد. ما لم أبصر، فأريه أنت. إن كنت قد فعلت إثمًا، فلا أعود أفعله.." (أي 34: 31، 32).
وهكذا فإن أليهو وبخ أيوب، فقال عنه:
"إن أيوب يتكلم بلا معرفة، وكلامه ليس بتعقل، أضاف إلي خطيته معصية. يصفق بيننا، ويكثر كلامه علي الله" (أي 34: 35، 37). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). "لأن أيوب قال: قد تبررت، ونزع الله حقي.. جرحي عديم الشفاء من دون ذنب "" فأي إنسان كأيوب، يشرب الهزء كالماء؟!" (أي 34: 5- 7). ووبخه قائلًا "أتحسب هذا حقًا؟! قلت أنا أبر من الله!!" (أي 35: 2). "إن كنت بارًا، فماذا أعطيته؟! أو ماذا يأخذه من يدك؟!" (أي 35: 7). وختم هذا الجزء من كلامه بقوله "فغر أيوب فاه بالباطل، وكبر الكلام بلا معرفة" (أي 35: 16).
ودافع أليهو عن عدل الله وعظمته فقال:
"حاشا لله من الشر، وللقدير من الظلم. لأنه يجازي الإنسان علي فعله"، "فحقًا إن الله لا يفعل سوءًا، والقدير لا يعوج القضاء" (أي 34: 10- 12)." لا يحابي بوجوه الرؤساء.. لأن عينيه علي طرق الإنسان، وهو يري كل خطواته "(أي 34: 19، 21) هوذا الله عزيز، ولكنه لا يرذل أحدًا "لا يحول عينيه عن البار" (أي 36: 5، 7) " هوذا الله يتعالي بقدرته. من مثله علمًا؟!.. أو من يقول له: قد فعلت شرًا؟!" (أي 36: 22، 23).
و يختم أليهو حديثة مع أيوب، بقوله: " أنصت إلي هذا يا أيوب وتأمل بعجائب الله " القدير لا ندركه، عظيم القوة والحق وكثير البر. لا يجاوب "(أي 37: 14، 23).
المهم في كل ما قاله أليهو، أن الله لم يقل عليه إنه جانب الصواب، مثلما قال عن صوفر بلدد وأليفاز..
كان كلامه صوابًا. وكان تمهيدًا بما قاله الله لأيوب، يحسن بنا جدًا أن نشرح خطة الله -تبارك اسمه- في قصة تجربة أيوب، ولماذا سمح بها؟ وماذا كانت حكمته؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8qcvxah