"نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا" نطلب عن المسيح: "تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 20).
فالإنسان الخاطئ هو إنسان يقاوم الله: يتحداه ويكسر وصاياه. ويترك مشيئة الله، لينفذ مشيئته الخاصة، مستقلًا عن الله، منفصلًا عنه. يحب الخطية أكثر منه، مهما ادعي بلسانه أنه يحب الله! الخاطئ يهرب من الله. لا يحب الحديث معه. وإن وقف يصلي، ينطبق عليه قول الرب "هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مز 7: 6). وهكذا تكون صلاته، بغير حب، بغير عاطفة، بغير روح، ربما لمجرد تأدية واجب، أو للرضي عن النفس.
الخاطئ لا يتحدث كثيرًا عن الله. ولا يشعر بدالة معه. هو غريب عنه. وقد أوجدت الخطية حاجزًا متوسطًا، بينه وبين الله..
وقد تتطور الخطية من مستوى الخصومة، إلي العداوة.
وفي ذلك يقول القديس يعقوب الرسول إن "محبة العالم عداوة لله" (يع 4: 4). ويقول القديس يوحنا الإنجيلي "إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1 يو 2:15).
ولأن الخطية خصومة مع الله، نبدأ قداساتنا بصلاة الصلح..
فقبل أن نرفع الإبرسفارين، لنصلي قداس القديسين، نصلي صلاة الصلح، لأنه ينبغي أن نصطلح مع الله والناس أولًا، قبل أن نصلي، وقبل أن نتقدم إلي السرائر المقدسة.
وهكذا نخاطب الله الابن في القداس الغريغوري قائلين "صرت لنا وسيطًا لدي الآب. والحاجز المتوسط نقضته. والعداوة القديمة هدمتها. وصالحت الأرضيين مع السمائيين"..
إن أبشع ما في الخطية، كونها موجهة ضد الله نفسه:
وقد كان داود النبي يدرك هذه الحقيقة جيدًا، لذلك قال للرب في مزمور توبته (مز 50):
"لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعتُ"..
لا شك أن داود كان قد أخطأ إلي أوريا الحثي، وإلي بثشبع زوجة أوريا. كما أنه أخطأ إلي نفسه، إلي عفته وطهارته، وإلي أبديته.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومع ذلك فإن كل ذلك لم يكن هو الشيء الرئيسي أمام عينيه، قال للرب: "لك وحدك أخطأت".. ذلك لأن الخطية هي في أصلها ضد الله، ضد وصاياه، وضد محبته.. ونتيجة لذلك ضد الآخرين.
ويوسف الصديق، أدرك نفس هذه الحقيقة، فقال كذلك:
كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطي إلي الله؟!
ولم يقل: أخطئ إلي فوطيفار، أو إلي زوجة فوطيفار.. إنما قال "أخطي إلي الله".. (تك 39: 9).
ذلك أن الخطية هي عصيان لله ومخالفة، وعدم محبة له، وطرد له من القلب، وتمرد عليه واستهانة بوصاياه..
ولهذه السباب كلها خاف اَدم بعد سقوطه، واختبأ من وجه الله، لأنه عرف أنه بالخطية قد أغضب الله..
نعم إننا بالخطية، نحزن روح الله القدوس (أف 4: 30).
النتيجة الأولى للخطية هي إغضاب الله. والثانية هلاك الإنسان..
وللخلاص من النتيجة الأولى، كانت تقدم المحرقات (لا 1).
وللخلاص من النتيجة الثانية، كانت تقدم ذبائح الخطية والإثم (لا 3).
وقد جاء السيد المسيح ليقدم بنفسه عمل هاتين الذبيحتين: فيصالح قلب الآب الغاضب، كذبيحة محرقة. ويخلص الإنسان الهالك، كذبيحة خطية.
ولعل مما يؤلم قلب الإنسان جدًا، ليس فقط إنه أخطأ إلي الله وإنما بالأكثر أنه دخل في خصومة مع الله. وأصبح الله غير راضٍ عنه..
ذبيحة المحرقة، كانت لمصالحة الله، لإرضاء قلبه الغاضب..
لذلك كانت أولي الذبائح في شريعة موسي. وقد ذكرت في الأصحاح الأولي من سفر اللاويين. وقيل إن مقدمها يقدمها "للرضا عنه أمام الرب" (لا 1: 3). وثلاث مرات قيل عنها في نفس الأصحاح إنها "رائحة سرور الرب" (لا 1: 9، 13، 17).
ولأن الغرض منها كان محددًا في هذه النقطة وحدها، وهي إرضاء الله، وإيفاء عدله. وليس غرضها خلاص الإنسان (الذي تمثله ذبيحة الخطية)، لذلك لم يكن أحد يأكل منها، كما كان يفعل في ذبيحة الخطية. وإنما كانت تأكلها النار كلها، حتى تتحول إلي رماد (لا 5: 8: 13). والنار تمثل العدل الإلهي.
وكأن مقدم المحرقة يقول للرب أثناء تقديمها:
ليس ما يهمني الآن هو خلاصي، إنما يهمني رضاك..
مَن أنا -التراب الرماد- حتى أقدم أولي الذبائح عن نفسي؟! أخلص أولا أخلص، ليس هذا هو الأمر الذي نضعه في الدرجة الأولي.. إنما قبل كل شيء، قلبك أنت يا رب، يكون راضيًا عني وأفعل بي بعد ذلك ما تشاء. أنا أخطأت إليك. وأريد أن أصالحك. وبعد أن أصالحك يأتي طلب المغفرة. ومن غير أن أطلب، أنت ستغفر.
إنه شعور الابن، الذي يهمه قبل كل شيء إرضاء أبيه.
وليس شعور العبد، الذي كل اهتمامه في التخلص من العقوبة..
فهل لديك هذا الحرص علي إرضاء أبيك السماوي ومصالحته ظ وهل تسعي لتصطلح مع الله، أم تفعل مثلما فعل اَدم إذ هرب من الله واختبأ منه..؟! أم أنت تقول كما قال أيوب الصديق "ليس بيننا مصالح، يضع يده علي كلينا" (أي 9: 33).
هل تشعر أن الخطية قد أبعدتك عن الله، وأوجدت خصومة بينك وبينه؟
إني أقول لك ما هو أكثر: الخطية خيانة لله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/y5b26ty