كثيرًا ما نسمع عن "الروح الوديع الهادئ، الذي هو قدام الله كثير الثمن" ( 1بط3: 4)، ونقرأ عن أهمية الوداعة والهدوء في الحياة الروحية، فهل هناك تعارض بين الروح النار، والوداعة والهدوء...
إنهما لا يتعارضان، إلا لو أساء البعض فهم الوداعة والهدوء!
لقد كان السيد المسيح وديعًا ومتواضع القلب (متى11: 29). ومع ذلك كان قويًا جدًا في خدمته، ودائب الحركة والنشاط بعمل لا يتوقف. وهو الذي قال "جئت لألقي نارًا على الأرض. وماذا أريد لو اضطرمت" (لو12: 49). وكان يتكلم كمن له سلطان. وقد طرد الباعة من الهيكل بغيرة متقدة (متى21: 12-14). ووبخ الكتبة والفريسيين بحزم (متى23).
هنا التكامل في الطباع، وليس التعارض...
وموسى النبي كان وديعًا جدًا، حتى قيل عنه "وكان الرجل موسى أكثر من جميع الناس الذين على وزجه الأرض" (عد12: 3). ومع ذلك نرى الروح الناري في هذا الرجل الوديع، حينما أبصر الشعب يعبدون العجل الذهبي. يقول الكتاب "فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى، وَطَرَحَ اللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ. ثُمَّ أَخَذَ الْعِجْلَ الَّذِي صَنَعُوا وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، وَطَحَنَهُ حَتَّى صَارَ نَاعِمًا، وَذَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ..." (خر32: 19، 20). وعاقب الشعب في ذلك اليوم عقوبة شديدة.
إن كون الإنسان وديعًا هادئًا لا يعني أن يكون خاملًا!
أو أن يكون جامدًا لا يتحرك ولا يتأثر!! أو أن يكون ضعيفًا لا قوة له في عمله! حاشا. فنحن صورة الله ومثاله، ولا يليق بصورة الله أن تكون بهذا الوضع الشائن. أقول هذا لأن كثيرين باسم الوداعة لا يعملون شيئًا، ولا يغارون غيرة الرب، ولا تشعر لأحد منهم بوجود داخل الكنيسة ولا داخل الخدمة... ولا خارجها!
هو في الكنيسة، كأنه جثة هامدة، لا حرارة ولا حركة!
تضع يدك عليه، فتحس بالبرودة تشمل حياته، كأنه بلا حياة!! يقابل كل أمر، مهما كان خطيرًا بلا مبالاة، بلا اكتراث، بلا اهتمام، بملامح لا تتغير، كأن الأمر لا يعينه! وكل ذلك باسم الوداعة والهدوء!! مثل هذا الإنسان، لا صله له بيوم البندكستي، ولا علاقة له بالألسنة النارية.
على العكس منه، إنسان يدخل الكنيسة، فتشعر بروحه يحركها.
تشعر بروح الله فيه وبه، بكل نشاط وغيرة... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). خدمة هنا، خدمة هناك: اجتماعات لها فاعليتها الروحية، وافتقادات واسعة لا تغفل أحدًا، وأنشطة ومشروعات، وألحان، وعنايته بالفقراء وسهرات وأيام صلاة... ويشعل الكنيسة، ويقدم عملًا لكل أحد يعمله، ويدخل آلافًا إلى الكنيسة بهذا الروح النار، يعمل الروح القدس وفي كل من حوليه. وهذا هو الفرق بين خدمة وخدمة
ومع كل هذا النشاط، تجده في تعامله وديعًا إلى أبعد حد.
إن الوداعة ضد العنف وضد القسوة وضد روح السيطرة والسيادة، وليست ضد النشاط والحركة. وليست ضد الحرارة في الخدمة والحرارة في العبادة. ونحن لا نريد في الكنيسة أشخاصًا خاملين أو باردين، فالسيد المسيح حينما أرسل لنا الروح القدس كألسنة من نار، إنما كان في ذلك يذكرنا بالحرارة اللائقة بنا، وفي منحنا هذه الحرارة والوداعة والهدوء والطيبة، وليس معناها أن يفقد الإنسان حرارته.
إننا نريد أشخاصًا مشتعلين بالروح، ملتهبين بالمحبة الإلهية من نحو الله والناس. وكل عمل يعملونه، إنما يعملونه بحرارة وبقوة، لأنه إن كان روح الله معهم، لا يمكن أن يكون عملهم هزيلًا. وقد قال الوحي الإلهي:
"ملعون مَن يعمل عمل الرب برخاوة" (أر48: 10).
إن الشخص الذي فيه روح الله: إذا صلى تكون صلاته حارة، وإذا خدم تكون خدمته حارة، وإذا تكلم تكون الحرارة في كلامه... إنه شخص ملتهب القلب في كل عمل يعمله. حتى إذا أخطأ، تكون توبته بحرارة. وإذا اعتذر عن خطأ يكون اعتذاره بحرارة أيضًا.
ليتك تأخذ درسًا من الفحم المتقد بالنار.
إنه بطبيعته أسود، ولا حرارة فيه. ولكن ما أن يتقد حتى يتحول إلى طبيعة أخرى . فيحمر ويتوهج، ويصير جمرًا. فتأمل إذن نفسك إذ نفسك: هل الروح القدس قد أشعل فحماتك السوداء، فالتهبت وصحت في فرح "أنا سوداء وجميلة" (نش1: 5). إن النار المقدسة قد صيرتني جمرًا؟ قد دخل التجلي في طبيعتي بالنار، التي أعطتني توهجًا وضياء ونورًا، فنسيت طبيعتي الأولى الفحمية، وصرت نارًا...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f7rq3qh