المصدر الأول الأساسي للتشريع في المسيحية هو الكتاب المقدس بعهديه. ثم هناك التقاليد والإجماع العام، وفي ذلك يقول القديس باسيليوس الكبير (من آباء القرن الرابع الميلاد) في "رسالته إلى ديودورس" "إن عادتنا لها قوة القانون، لأن القواعد سلمت إلينا من أناس قديسين".
وهناك أيضًا القوانين الكنسية سواء كانت من الآباء الرسل أو من مجامع مسكونية أو مجامع إقليمية، أو من كبار معلمي الكنيسة من الآباء البطاركة والأساقفة. ومن هذا النوع الأخير قوانين أبوليدس وقوانين باسيليوس وهى قوانين معترف بها ونافذة المفعول في العالم المسيحي.
وكل هذه القوانين التي وضعها الرسل والمجامع والآباء إنما كانت بناء على السلطان الكهنوتي الذي منحه لهم السيد المسيح بقوله "الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء".
فالسيد المسيح قد سلم تلاميذه روح التعليم، وترك لهم كثيرًا من التفاصيل لم يعطهم فيها تعليمًا، واسند إليهم أن يتصرفوا فيها بحسب الروح المعطى لهم. لأن المسيحية روح وليست مجرد نصوص. وقد دعا السيد المسيح إلى التمسك بالروح وليس بالحرف. وفي ذلك يقول بولس الرسول في رسالته الثانية إلى كورنثوس "الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد. لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيي" (2 كو 6:3).
وقد كانت للسيد المسيح أحاديث كثيرة مع تلاميذه لم يرد منها في الكتاب المقدس شيء (أعمال 3:1). وهذا واضح، لأنهم لو سجلوا كل شيء لما كان ذلك مستطاعًا، كما شهد القديس يوحنا في إنجيله (يو 21: 25).
وهكذا في أشياء كثيرة جدًا وجوهرية للغاية، سار العالم المسيحي حسب التقاليد التي سلمت إليه، ولم ترد في الإنجيل، إذ لم يكن ممكنًا آن تشمل الأناجيل كل شيء.
ومثال ذلك كل تفاصيل العبادة في الكنيسة. فالكتاب المقدس يذكر أن السيد المسيح أمر تلاميذه قائلًا "تلمذوا جميع الأمم وعمدوهم" (متى 19:28). أما طقس العماد، طريقته وصلواته، فلم يذكر عنها شيء. وكذلك صلوات عقد الزواج، وصلاة القداس، وصلوات الجنازات.. إلخ.
كل ذلك وغيره وصل إلينا عن طريق التقاليد (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وضع بعضه رسل السيد المسيح، والبعض وضعته المجامع المقدسة، والبعض وضعه الآباء البطاركة والأساقفة فصار تقليدًا له قوة القانون.
ومثال ذلك تفاصيل أخرى في موضع الزواج الذي نحن بصدده، كالمحرمات في الزواج مثلا. ليست كل القرابات المُحَرَّمَة موجودة في الكتاب المقدس، ومع ذلك فهي كلها من الأمور المسلم بها، ليس في الكنيسة القبطية فحسب، وإنما في الكنائس المسيحية جمعاء.
فهل يمكن آن تسمح محكمة بزيجة محرمة شرعًا في المسيحية، على اعتبار انه لا يوجد بخصوصها؟!
كلا، وإنما نسأل نحن عن ديننا وعما نعتقده، ونحن أعرف من غيرنا بشريعتنا ومصادرها، التي لا تقتصر على الإنجيل.
وإنما هناك كما قلنا التقاليد والإجماع العام والقوانين. وهناك روح الدين كما فهمها بنوه ومعلموه، وكما شرحه الآباء القديسون الأول الذين كانوا يتكلمون بروح الله، وكلماتهم لها في قلوبنا هيبة القوانين ذاتها.
ولذلك لم نستطع أن نستغني في هذا البحث عن شيء من هذا كله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4827jr6