St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   02-Spiritual-Articles
 

كتب قبطية

كتاب مقالات روحية نشرت في جريدة الجمهورية - البابا شنودة الثالث

24- محاسبة النفس

 

هناك فضيلة تلزم لكل إنسان، أيًا كانت درجته، وبدونها ما أسهل أن يضل وأن ينحرف هذه الفضيلة هي محاسبة النفس.

 

أليس من العار أن نجتهد كثيرًا في محاسبة غيرنا من الناس، بينما أنفسنا لا نحاسبها!!

نفترض مثاليات عالية نضعها أمام الآخرين، وإن تخلفوا عنها ولو قليلًا، ننصب لهم الموازين، ونكيل لهم الاتهامات، ونحاسبهم حسابًا عسيرًا، كأننا مسئولون عن كل أعمالهم... أما أنفسنا، فنادرًا ما نضعها تحت الحساب.

بينما في حقيقة الأمر نحن أقدر على محاسبة أنفسنا لا غيرنا... أنفسنا معنا في كل حين، نعرف جميع خباياها، وجميع نواياها، وجميع ظروفها وأحوالها، ونعرف كل أعمالها وأفكارها، لذلك نحن نقدر على محاسبتها، ونكون عادلين في حسابنا، لأنه من معرفة يقينية أما غيرنا، فلا نعرف دواخله، ولا نعرف ظروفه وقد نظلمه في حكمنا. وما أصدق قول الكتاب: "لا يعرف الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه"... فليتنا نحاسب أنفسنا لا غيرنا...

St-Takla.org Image: Jesus consoles a man, repentance, return to God. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يعزي رجل، التوبة، الرجوع إلى الله.

St-Takla.org Image: Jesus consoles a man, repentance, return to God.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يعزي رجل، التوبة، الرجوع إلى الله.

ليتنا نحاسب أنفسنا بدلًا من أن يحاسبنا الناس. ما أجمل قول القديس مقاريوس الكبير: (احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك)... ويقينًا أننا لو حاسبنا أنفسنا، وعرفنا أخطاءنا، سوف لا نتضايق من محاسبة الناس لنا، وسوف لا نغضب منهم، بل نقول -ولو في داخلنا- "نحن بعدل جوزينا"...

بل ليتنا نحاسب أنفسنا، قبل أن يحاسبنا الله في اليوم الأخير. إن محاسبتنا لأنفسنا، تقودنا إلى التوبة، إذ ندرك واقع سقطاتنا فنتوب عنها ونتركها، والتوبة تمحو الخطايا، وتستمطر مراحم الله، وتوقفنا بلا دينونة في اليوم الأخير...

ومحاسبة النفس تقود الإنسان إلى الاتضاع، وتبعد عنه الغرور والكبرياء... إنما يتعجرف الإنسان الذي لا يدري حقيقة ذاته، ولا يعرف نقائصه وعيوبه... أما الذي يحاسب نفسه، وتنكشف أمامه خطاياه وسقطاته وضعفاته، حينئذ يدرك أنه أقل بكثير مما كان يظن في نفسه، وتتضع نفسه من الداخل وان حاولت أن ترتفع يذكرها بما اكتشفه فيها من عيوب...

ولكن كل ذلك يتم، إن كنا دقيقين في محاسبتنا لأنفسنا، غير مجاملين لها، وغير ملتمسين لها الأعذار في كل شيء...

حقًا، ينبغي أن نكون حازمين في محاسبتنا لأنفسنا. ولا يصح أن نغطى كل ذنب بعذر، ولا يصح أن نبرر ذواتنا فيما نرتكبه من أخطاء، ولا يصح أن نلقي اللوم على الظروف أو على الآخرين أو على الضعف البشري، ولا أن نخفي خطايانا وراء نيات حسنة. بل نكون صرحاء مع أنفسنا، غير مجاملين لها، ولا مدللين لها...

فلنكن مدققين جدًا في محاسبتنا لأنفسنا، عطوفين جدًا في محاسبة الآخرين. لأننا لا نعرف ظروف الآخرين، فربما يكون لهم عذر. كذلك لا نعرف تكوينهم النفسي والعصبي، ولا نعرف كل ظروفهم العائلية والاجتماعية والصحية والوراثية. أما من جهة أنفسنا، فندرك أنها بلا عذر، ونعرف تمامًا مقدار الإرادة الخاطئة في عملها، ومقدار تدخل الظروف...

وفي محاسبتنا لأنفسنا، ينبغي أن نحاسبها على كل شيء (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)... على العمل الخاطئ، وعلى مجرد النية الخاطئة وعلى أخطاء الفكر والحس واللسان والشعور، وكل شيء... ونحاسبها أيضًا على علاقتها بالله وبالناس... ونحاسبها على مدى النمو في حياتها الروحية. لا يكفي أن يكون الإنسان بعيدًا عن الخطية، إنما يجب أن يكون سائرًا في الفضيلة وناميًا فيها.

ينبغي أن نحاسب أنفسنا في ضوء مقاييس الكمال المطلوب منا. وهنا نوضح أنه كلما كان الإنسان ناميًا في معرفته الروحية دارسًا لحياة القديسين والأبرار، متعمقًا في فهم الفضيلة، فعلى هذا القدر يكون مستوى محاسبته لنفسه عاليًا. إن أصحاب القامات الروحية العالية يحاسبون أنفسهم على أخطاء قد لا يراها غيرهم أخطاء، ولكنها في نظرهم كذلك بحسب نموهم الروحي.

إن الله أعطى لكل منا ضميرًا يحاسبه. وبعضنا يحاول أن يسكت هذا الضمير، وبعضنا يحاول أن يميته، وبعضنا يهرب منه وبعضنا يحاول أن يتحايل على ضميره بحيل عقلية لتبرير مسلكه... ولكن الإنسان الصالح هو الذي يخضع لتوجيهات ضميره ويحنى نفسه لمحاسبته، بل يجعل هذا الضمير يستنير أكثر وأكثر، ويكون مرفهًا أكثر وأكثر، بالمداومة على القراءة الروحية والتأمل في الفضائل...

لذلك ننصحك باستمرار أن تكون رقيبًا على نفسك. لا تجعل شيئًا من تصرفاتك أو من نواياك يفلت من مراقبتك. لا تترك دوامة المشغوليات تجرفك وتجعلك تنسى نفسك، فتقلل من مراقبتك لها. اتبع هذه المراقبة، بمحاسبة، وبمعاقبة، إن استلزم الأمر...

قل لنفسك ما يخجل الناس من قوله لك. ربما تجرحك كلمة صريحة يواجهك بها الغير، ولكنك تستطيع أن تقول هذه الكلمة لنفسك. بل تستطيع أن تبكت ذاتك، وأن توبخ ذاتك، وأن تقوم ذاتك وتؤدبها، فهي تخضع لك...

لا تترك نفسك على هواها، تسير حسبما تشتهي، دون رقيب أو مؤدب...

وأعرف أنك خير قاض يحكم على نفسك، وأعرف أن الشخص المجتهد في محاسبة نفسه، إنما هو الشخص الحريص على خلاص نفسه، الحريص أن يحفظ ذاته نقيًا من كل شائبة ومن كل لوم...

ومحاسبة النفس تقود إلى الصلاة وإلى الاعتراف... إن حاسب الإنسان نفسه ووجدها قد أخطأت إلى الله أو إلى الناس، عليه أن يسكب ذاته أمام الله، ويعترف له بهذا الخطأ، ويطلب منه المغفرة، ويطلب منه أيضًا القوة على تجنب هذا الخطأ وعليه أيضًا أن يعترف لمن أخطأ إليه حتى يكسب رضاه ويصفي قلبه من جهته... إلى باقي عناصر الاعتراف الأخرى...

ولعل البعض يسأل: متى يتاح للإنسان أن يحاسب نفسه! إن البعض يحاسب نفسه في مناسبات معينة، وكأن يجلس في بداية سنة جديدة ويحاسب ذاته على سلوكه خلال السنة الماضية كلها، والبعض قد يحاسب نفسه قبل الذهاب إلى الاعتراف والبعض يحاسب نفسه في نهاية كل يوم، قبل أن ينام. والبعض يحاسب نفسه على كل فعل بعد هذا الفعل مباشرة، قبل أن يفقد تأثيره...

ولكن أفضل الناس هو الذي يحاسب نفسه على العمل قبل أن يعمله. فيسأل نفسه: أيجوز لي أن أفعل كذا أو أن أقول كذا؟

وإن فعلت هذا الأمر ألا أرتكب كذا وكذا من الإثم؟ وهكذا يتجنب الفعل الخاطئ، ويتجنب ما قد يسببه هذا الفعل من نتائج لا تليق...

إن محاسبة النفس قد تقود الإنسان إلى حياة البر، أو على الأقل إلى حياة التوبة. وفي أقل القليل تقوده إلى حساسية الضمير وإلى يقظة القلب، وإلى التواضع والانسحاق.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/02-Spiritual-Articles/24-Mohasabat-Al-Nafs__Self-Assessment.html

تقصير الرابط:
tak.la/rdrnr9f