ويُعلِّق أسقف هيبو على قول القديس بولس: ”أنتَ مُرتبِطٌ بامرأةٍ فلا تطلُب الاِنفصال. أنتَ مُنفصِلٌ عن امرأةٍ فلا تطلُب امرأةً “ (1كو 7: 27) ويرى أنَّ الرَّسول يُقدِّم أمرين:
1- أمر: وهو ألاَّ يترُك الإنسان زوجته (إلاَّ لسبب الزِنا كما قال ربنا في الإنجيل) ويجِب أن يُنفَّذ هذا الأمر وكلّ مَنْ يتعداه يُخطِئ.
2- رأي: لِمَنْ هو مُنفصِل عن امرأة أن يظل هكذا، ولأنه ليس وصية بل مُجرَّد رأي لذلك لا تُعد عدم طاعته خطية ولكن من الأفضل طاعته.
ويرى أنَّ قول القديس بولس ”لكنَّ مثل هؤلاء يكونُ لهُمْ ضيقٌ في الجسد. وأمَّا أنا فإنِّي أُشفِقُ عليكُمْ“ يوضح أنَّ الرَّسول يحِث وينصح بالبتولية، ويُحذِّر قليلًا من الزواج، ليس كما من أمر شرير أو غير قانوني بل كما من عِبء وانشغال، لأنَّ الحديث عن خِزي ودنس الجسد شيء، والحديث عن الضيق في الجسد شيء آخر، فالأوَّل خطية أمَّا الآخر فهو انشغال يُعاني منه الإنسان لكنه ليس خطية.
وبينما يحِث أُغسطينوس الرِجال والعذارى أن يحيوا في بتولية وعذراوية، ينصحهم ألاَّ يعتبِروا الزواج شر أو خطية، وأن يفهموا أنه لم يكُنْ كِذبًا بل حقًا واضحًا أنَّ الرَّسول قال ”مَنْ زَوَّج فحسنًا يفعلُ ومَنْ لا يُزوِّجُ يفعلُ أحسن“ ”ولكنَّك إن تزوجت لم تُخطِئ، وإن تزوجت العذراء لم تُخطِئ“ وبعد ذلك يقول: ”لكنَّها أكثر غِبطة إن لبثت هكذا بحسب رأيي“ (1كو 7: 40) ويُعلِّق القديس: ”هذه هي عقيدة ربنا وعقيدة الرُّسُل، هذا حق، هذا صحيح، أنَّ اختيار العطايا الأعظم لا يدين العطايا الأقل“، ويُعلِّم القديس المُتبتلين أنَّ كون الزواج ليس شرًا لا يُنقِص من عَظَمْ البتولية، بل يجب أن تثِق العذراء أنَّ لها إكليل أعظم.
ويتحدَّث القديس عن اتجاهين بخصوص البتولية والزواج:
الاتجاه الأوَّل: يُفسِر قول الرَّسول ”لكني أظُن أنه حَسَنْ من أجل الضرورة الحاضِرة“ كما لو كانت البتولية نافِعة فقط من أجل الحياة الحاضِرة وليس من أجل ملكوت السموات، وكما لو أنَّ هؤلاء الذين اختاروا هذه الحياة الأحسن سينالون نفس النصيب الذي سيناله الباقون، ويرفُض القديس هذا الفِكْر.
الاتجاه الثَّاني: يُفسِر قول الرَّسول ”ولكنَّ مثل هؤلاء يكونُ لهُمْ ضيقٌ في الجسد. وأمَّا أنا فإنِّي أُشفِقُ عليكُمْ“ على أنه إدانة للزواج ويرفُض القديس هذا الفِكْر أيضًا.
فكلا الأمران خطأ:
إذ أنه من الخطأ أن نُساوي بين الزواج والبتولية المُقدسة.
ومن الخطأ أيضًا أن ندين الزواج.
فالبعض من فرط محبتهم للبتولية اعتبروا الزواج أمرًا مكروهًا بل وحتّى زِنى، والبعض الآخر، في دِفاعهم عن الزواج، جعلوا كرامة البتولية مُساوية للزواج، كما لو كان صلاح سوسنَّة هو التقليل من مجد وكرامة مريم، أو كأنَّ صلاح مريم ومجدها الأعظم والأحسن لابد أن يكون إدانة سُوسنَّة، فلا يُمكن لِسُوسنَّة التي أنقذها دانِيال من العِقاب أن يضعها بولس في الجحيم.
يرى القديس أُغسطينوس أنه لو كان الزواج خطية لِمَا كان هناك داعِ لمدح البتولية بل لكان يكفي أن لا تُلام: ”إننا بحسب الإيمان والعقيدة الصحيحة من الكِتاب المُقدس نقول أنَّ الزواج ليس خطية، ومع ذلك نُكرِّر أنَّ صلاحه أقل ليس فقط من البتولية، بل وأيضًا من عِفة التَّرمُل“.
ويرى القديس أنَّ الخِصيان الذينَ تحدَّث عنهم على فم إشعياء النبي، هؤلاء الذينَ وعدهم بأنه سيُعطيهم في بيته وفي أسواره نُصُبًا واسمًا أفضل من البنين والبنات، هم الخِصيان الذينَ خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السموات، ويرى أنَّ الله سيُعطي المُتزوجين أيضًا نُصُبًا، لأنه يقول ”نُصُبًا أفضل“ ولكن نُصُب المُتزوجين ستكون أقل في المجد، ولكن هؤلاء الخِصيان ليسوا في الجسد فقط بل قد اقتلعوا من نِفوسِهِمْ كلّ جُذور الشهوة ويحيون حياة سمائية ملائِكية في حياتهم الأرضية الزائِلة.
ولكي لا يظُن أي إنسان أنه سيكون في الأبدية أي شيء من هذه الأشياء الزائِلة، لذلك أضاف الرب ”أُعطيهم اسمًا أبديًا لا ينقطِعُ“ ( إش 56: 5) وهذا الاسم الأبدي الذي لن ينقطِع يدُل على المجد الخاص الفائِق الذي لن يكون للجميع، مع أنهم جميعًا في نفس الملكوت، ولعلّهُ دُعِيَ ”اسم“ لأنه يُميِّز هؤلاء الذينَ يُعطَى لهم عن الباقين.
ويدعو كاتِبنا قديسي الله الفِتيان والفتيات، الرِجال والعذارى أن يثبتوا في بتوليتهم حتّى النِهاية، وأن يُمجِّدوا ويُسبِّحوا الله الذي يتأمَّلون فيه ويخدمونه ويُحبُّونه ويُجاهدون لِينالوا مرضاته، ويدعوهم لأن ينتظروا الرب بمصابيح مُوقدة مُضيئة حتّى يُقابِلوه عندما يأتي من العُرْس، لأنهم سيُسبِّحون تسبحة جديدة في عُرْس الحَمَلْ على قِيثارَاتِهِمْ، تسبِحة لا يستطيع أن يترنم بها أي أحد سِواهم، لأنَّ ذاكَ التلميذ الذي أحبُّه الحَمَلْ أكثر من الآخرين والذي اعتاد أن يسنِد رأسه على صدره قد رآهم في سِفْر الرؤيا، إذ رأى هذا المحبوب (يوحنَّا الحبيب) اثني عشر مرَّة اثنى عشر ألفًا من عازفي القِيثارة القديسين الذين يحفظون بتولية الجسد نقية ويحفظون نقاوة الحق في قلوبِهِمْ، وكتب عنهم أنهم سيتبعون الحَمَلْ أينما ذهب، ويتساءل أُغسطينوس: إلى أين سيمضي هذا الحَمَلْ إلى أي مُروِج سيمضي؟.. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ثم يُجيب: سيمضي إلى حيث الخُضرة هي أفراح، ليست أفراح باطِلة مثل تلكَ التي للعالم، ولا أفراح مثل تلك التي ستكون في ملكوت الله المُعَدْ للباقين الذينَ ليسوا عذارى ولا مُتبتلين، بل هي أفراح مُميزة عن أفراح الباقين ففرح العذارى هو فرح المسيح، في المسيح، مع المسيح، بحسب المسيح، بالمسيح، ومن أجل المسيح، وأفراح عذارى المسيح تختلِف عن تلك التي لِهؤلاء الذين ليسوا عذارى رغم أنها أيضًا أفراح المسيح..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sb5qsj3