وبمحبة رعوية يحِث القديس كبريانوس بناته العذارى قائِلًا:
”لذلك استمعنَ إليَّ أيتها العذارى كأب
استمِعنَ أرجوكُنْ لِمَنْ يخاف بينما يُحذِّر
استمِعنَ لِمَنْ يُحذِّركُنْ بإخلاص لأجل فائِدتكُنْ ومنفعتكُنْ
احفظنَ أنفُسكُنْ كما صنعكُنَّ الله الخالِق
احفظنَ أنفُسكُن كما زينكُنَّ أبوكُنَّ السماوي
ليظل وجهكُنْ غير فاسِد
ليظل وجهكُنْ غير فاسِد
رقبتكُنْ غير مُزينة
هيئتكُنْ بسيطة
ولا تدعنَ ثِقوبًا تُصنع في آذانِكِنْ
لا تدعنَ الأساوِر والقلائِد الثمينة تلتف حول أذرعتكُنْ أو رِقابِكُنْ
فلتكُن أقدامِكُنْ حُرَّة من القيود ( القلائِد) الذهبية
شعُورُكِنْ غير مُلوثة بأي صِبغة
عيونِكُنْ مُستحِقة أن تُعاين الله
فليكُنْ استحمامِكُنْ مع النِساء اللواتي بينهُنْ يكون حميمكُنْ عفيفًا
ابتعدنَ عن الأعياد المخزية وموائِد الزواج الماجنة التي سُمَّها خطر
اهزمنَ الثِياب لأنَّكُنْ عذارى
اهزمنَ الذهب لأنَّكُنْ تهزمنَ الجسد والعالم، فمن غير المعقول ألاَّ يستطيع (العدو) الأكبر أن يهزمكُنْ بينما توجِدنَ مهزومات من الأصغر!!
عسير وضيِّق هو الطريق المُؤدي إلى الحياة
شاق وصعب هو الدرب الذي يفضي إلى المجد
عَبْر هذا الطريق يتقدَّم الشُّهداء، تعبُد العذارى، يتقدَّم الأبرار
هناك يتملَّق الشيطان كي يخدع، يبتسِم كي يصنع شرًا، يغوي كي يقتُل“.
ويرى كبريانوس أنَّ مرتبة العذارى تالية على الفور لمرتبة الشُّهداء، فثمرة الشُّهداء هي مِئة ضِعْف، وثمرة العذارى هي سِتُونَ ضِعْف، وكما أنَّ الشُّهداء لا يُفكِرون في الجسد أو العالم، كذلك العذارى -اللائي جعالَتَهِنْ تالية في النِعمة- يجب أن يكون لهُنْ أيضًا قُوَّة احتمال تالية للشُّهداء، فالارتقاء للأمور العظيمة ليس بالأمر السهل، فأي كَدْ نبذِل وأي عمل نعمل عندما نُحاوِل أن نصعد التِلال أو قِمَمْ الجِبال! فأي كَدْ وعمل إذًا كي نصعد إلى السماء؟ لكن إذا نظرنا إلى جعالة الموعِد، سنجِد العمل أقل...
ويحِث العذارى أن يتمسكنَ بِقُوَّة بما قد بدأنَ أن يكِنَّهُ، وبما سوف يكِنَّهُ، لأنَّ هناك جعالة عظيمة تنتظرهُنْ، ومُكافأة عظيمة للفضيلة، ويشرح لهُنْ أي تعب تتجنبه فضيلة العِفة، وأي صلاح تقتني، فالله يقول للمرأة: ”تكثيرًا أُكثِّرُ أتعاب حَبَلِكِ. بالوجع تلِدين أولادًا. وإلى رَجُلِكِ يكونُ اشتياقُكِ وهو يسُودُ عليكِ“ (تك 3: 16) أمَّا العذارى فهُنَّ مُتحررات من هذا الحُكم، فلا يخشينَ أحزان وآنات النِساء وليس لديهِنَّ خوف من الحَبَلْ ولا يتسلَّط زوج عليهِنْ، لكن سيِّدهِنْ ورأسِهِنْ هو المسيح، وهذا ما أعلنه الرب بقوله: ”أبناءُ هذا الدَّهر يُزَوِّجون ويُزَوَّجون. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولكنَّ الذينَ حُسِبُوا أهلًا للحصول على ذلك الدَّهر والقيامة من الأموات لا يُزَوِّجون ولا يُزَوَّجون. إذ لا يستطيعون أن يموتُوا أيضًا لأنهم مثل الملائكة وهُمْ أبناءُ الله إذ هُمْ أبناءُ القِيامة“ (لو 20: 34-36) فالحالة التي يبلُغها الأبرار في القيامة، تبلُغها العذارى الآن، إذ يقتنين في هذا العالم مجد القِيامة، ويعبُرنَ العالم دونَ الإصابة بِسِمُوم العالم، ولأنَّهُنْ يَعِشنَ عفيفات بتولات، لذلك هُنْ مُساويات لملائِكة الله، لكن يجب أن يحفظنَ بتوليتَهِنْ بصبر، وكما بدأنَ بشجاعة كذلك يُكمِّلنَ جِهادِهِنْ دومًا، ولا يطلبُنَ زِينة العُنُق ولا الثِياب بل زِينة السلُوك وينصحهُنْ القديس كبريانوس ”فلترتفِع عيونِكُنْ نحو الله والسماء، وليس إلى أسفل نحو شهوة الجسد وشهوة العالم“.
لقد أمرت الوصية الأولى بالنمو والكثرة، وجاءت الوصية الثَّانية تمتدِح العِفة والبتولية وتُوصي بها، لكن الرب لا يأمُر أن نعيش خِصيان لأجل الملكوت، لكنه فقط يحِثنا، فهو لا يضع نير الضرورة لأنَّ اختيار الإرادة الحُرَّة متروك للإنسان، لكن عندما يقول أنَّ في بيت أبيه منازِل كثيرة، يعني بهذا أنَّ هناك سُكنى في منازِل أفضل، وهو ما تطلُبه العذارى، إذ يترُكنَ شهوات ورغبات الجسد، فَيَنَلْنَ جعالة ذات نِعمة عظيمة في المنزل السمائي.
حقًا كلّ الذين ينالون العطايا الإلهية والميراث السمائي بتقديس المعمودية حيث يخلعون الإنسان العتيق بِنِعمة الحميم المُخلِّص، ويتجدَّدون بالروح القدس من دنس المرض القديم، يتطَّهرون بهذه الولادة الثَّانية، لكن أعظم قداسة وأعظم حق لهذا الميلاد الثَّاني يخُصَّان العذارى اللائي لم تعُد لهُنْ أي شهوات جِسدانية، بل فقط أمور الفضيلة والروح القدس هي التي بقيت فيهُنْ للمجد، فهذه هي كلِمة الرَّسول الذي دعاه الرب إناءهُ المُختار، والذي أرسله ليكرِز بالوصية السمائية ”الإنسان الأوَّل من الأرض تُرابي. الإنسان الثَّاني الرَّبُّ من السماء. كما هو التُّرابي هكذا التُّرابِيون أيضًا. وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لَبِسنا صورة التُّرابي سنلبَسُ أيضًا صورة السماوي“ (1كو 15: 47-49) فالبتولية تحمِل هذه الصورة، القداسة تحمِلها، الحق يحمِلها، التلاميذ الذينَ يملأ الله أذهانهم يحمِلونها، يحفظون البِّر مع الدِّيانة، ثابتين في إيمان ومُتضعين في مخافة، شُجعان لكلّ الآلام، وُدَعاء في تحمُّل الخطأ، مُسرعين لإظهار الرحمة، لهم ذهن واحد وقلب واحد في سلام أخوي.
ويختَتِمْ القديس كبريانوس كِتابه قائِلًا أنه على العذارى الصَّالِحات أن يحفظنَ سائِر هذه الأمور وأن يحببنها ويُكمِّلنها، هُنَّ اللائي كرَّسنَ أنفُسهُنْ للرب، وعلى المُتقدمات في الأيام أن يُقدِّمنَ تعليمًا للصغيرات، وعلى الصغيرات أن يُقدِّمنَ قُدوة وحافِز إلى قَرِيناتِهِنْ، ويختَتِمْ القديس كبريانوس كِتابه بقوله:
”احتمِلنَ بشجاعة، تقدَّمنَ روحيًا، نِلنَ بفرح
فقط اذكُرونا في ذلك الوقت، عندما تبدأ البتولية تُكافِئ فيكُنْ“.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2j2vpzv