ويحِث القديس ميثوديوس العذارى على الجِهاد الروحي قائِلًا: ”أيتها العذارى، لِنُجاهِد من أجل الحياة الطوباوية ومن أجل ملكوت السموات، ولتتحدنَ بهؤلاء الذينَ لهم اشتياق حار لمجد العِفة، ولا يهتمون بأمور هذه الحياة“..
ويشرح لهُنَّ أنَّ العِفة لا تُضيف إلى السعادة قليلًا، فهي ترفع الجسد عاليًا وتُجفِّف طراوته ونداوته وثِقَلُه الشبيه بالطين، ويُحذرنا القديس من أن ندع الحُزن يُغيِّر فرحنا، بل يجب أن نترُك الأحزان التي تأتينا ولا نُدنِس عِقولنا بالمراثي أو النِواح، وليغلِب الإيمان والرجاء كلّ هذا ويُبدِّد بنوره كلّ خيالات الشر التي تتجمَّع حول قُلوبِنا، ” لأنه كما أنَّ القمر يُضِيء ببهاء مالِئًا السماء من نوره، ويُصبِح الجو كلّه صافيًا واضحًا، ثم فجأة تندفِع سُحُب الغرب بحسد وتُغطي وتُخفي نوره لفترة وجيزة، ولكنها لا تُدمره أو تُزيله لأنها تُزال من مكانها بهبَّة من الريح، هكذا أنتم أيضًا، عندما تجعلون نور العِفة يسطُع في العالم، ورغم أنه يجد مُقاومة من الضيقات والأعمال والمشغوليات، لكن لا تيأسوا ولا تترُكوا رجائكم، لأنَّ السُّحُب التي يُرسِلها العدو الشِّرِّير يُزيلها روح الله القدوس“.
يتحدَّث القديس بعد ذلك عن امرأة سِفْر الرؤيا (رؤ 12: 1)، ويستخدِم المنهج الرمزي كعادته ويشرح أنَّ هذه المرأة المُلتحِفة بالشمس وعلى رأسها اثني عشر نِجمًا والقمر تحت قدميها، وتحمِل طِفلًا، هي بالحقيقة ”أُمِنا أيتها العذارى“، التي دعاها الأنبياء أحيانًا أورشليم، وأحيانًا العروس، وأحيانًا جبل صهيون، وأحيانًا الهيكل، وأحيانًا خيمة الله، لأنها هي القُوَّة التي تُعطي النور للأنبياء، لذا يصرُخ الروح ويقول لها:
”قُومي استنيري لأنه قد جاءَ نُورُكِ ومجدُ الرب أشرقَ عليكِ. لأنه ها هي الظُّلمةُ تُغطي الأرض والظَّلام الدَّامِس الأُمم. أمَّا عليكِ فيُشرِق الرب ومجدهُ عليكِ يُرى. فتسيرُ الأُممُ في نورِكِ والمُلُوكُ في ضِياء إشراقِكِ. اِرفعي عينيكِ حواليكِ وانظُري. قد اجتمعوا كلُّهم. جاءوا إليكِ. يأتي بنُوكِ من بعيدٍ وتُحملُ بناتُكِ على الأيدي“ (إش 60: 1-4).
”إنها الكنيسة التي سيأتي إليها أطفالها من كلّ الأرجاء، وهي تتهلَّل وتفرح بِنَوَال النور الذي لا يخبو، وتلتحِف ببهاء الكلِمة كثوب، لأنه أي شيء آخر أعظم كرامة أو مجد يليق بالمَلِكة أن تتزيَّن به لكي تتقدَّم كعروس للرب، بعد أن نالت ثوب النور.
لِننظُر إلى هذه المرأة العجيبة كما ننظُر لعذارى مُستعِدات للزواج، نقيات طاهِرات كامِلات مُشرِقات بجمال دائِم، لا ينقُصهُنَّ شيء من بهاء النور، وعِوَضًا عن الثوب تلتحِف بالنور نفسه، وعِوَضًا عن الأحجار الكريمة تتزيَّن رأسها بالنجوم المُتلألأة، وبدلًا من الثِياب التي نملُكها، تقتني ثوب النور، وبدلًا من الذهب والجواهِر البرَّاقة، تقتني النجوم، ولكن نجومًا ليست كهذه التي نراها في السماء المنظورة بل نِجومًا أفضل وأكثر تألُقًا ولمعانًا، فهذه النِجوم المنظورة ما هي إلاَّ صورة وشِبْه لتلكَ النجوم الأعظم والأفضل“. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى).
ويستمِر القديس ميثوديوس في شرحه الإنجيلي ويتحدَّث عن البِّريَّة التي هربت إليها المرأة والتي سيعولها فيها الله ألفًا ومئتين وستينَ يومًا، ويمدح هذه البِّريَّة قائِلًا أنها بحق عقيمة من الشر ولا مكان له فيها، وبلا فساد ويصعُب الوصول إليها أو الانتقال منها للناس الكثيرين الذينَ في العالم، ولكنها مُثمِرة مليئة بالنباتات ومُزهرَّة وسهلة الوصول بالنسبة للقديسين، ومُمتلِئة من الحِكمة ومُعطية للحياة، فهي المسكن الجميل المُعد بإتقان لأريتي Arete أي الفضيلة، وفيها تستيقِظ الرِياح الجنوبية وتهُب الرِياح الغربية، وتقطُر كلّ أنواع أطيابِها (نش 4: 16)، وتمتلِئ كلّ الأشياء من الندى المُنعِش وتُكلَّل بالنباتات التي لا تذبُل التي للحياة الأبدية... فيها نجمع الزهور وننسِج بأصابِع مُقدسة ثوب الأُرجوان وإكليل البتولية المجيد البهي من أجل الملِكة، ”لأنَّ عروس الكلِمة تتزيَّن بثِمار الفضيلة“.
إذًا، الكنيسة التي تذهب إلى البِّريَّة -وهي مكان خالِ من الشهوة- تتغذَّى وتتقوَّى ”وتطير نحو السماء على أجنِحة البتولية Winges of Virginity“ التي دعاها الكلِمة ”أجنحة نسر عظيم“ (حز 17: 3) بعد أن غلبت الكنيسة الحيَّة القديمة وأزالت من أمام قمرها الكامِل كلّ السُّحُب الشِتوية، لذا يجب علينا أن نقتدي ونتمثَّل بأُمنا وبحسب قُدرِتنا يجب أن لا ننزعِج بسبب آلام أو تغيُّرات أو ضيقات الحياة، كي ندخُل معها في فرح وابتهاج إلى العُرس، مُمسكين بمصابيحنا، لذلك ينصحنا القديس ميثوديوس بأن لا نفقِد شجاعتنا بسبب هيئة التنين، بل بشجاعة نستعِد للمعركة ونتسلَّح بخوذة الخلاص وبِدرع الصدر وبِدرع القدمين، ”لأنكم ستُوقِعونَ فيه رُعبًا هائِلًا عندما تُهاجِمونه بقُوَّة وشجاعة عظيمة، ومتى رأى مُقاوميه مُتسلحين ومُعضدين بالواحد الأقوى، لن يُقاتِل ولن يُقاوِم“.
وينصحنا مثيوديوس بأن نُقاوِم التنين الضخم بدِرعنا، ولا نستسلِم ولا ننزعِج من عُنفه وغضبه، لأنَّ مجدًا عظيمًا سيكون لنا متى هزمناه وأخذنا السبعة أكاليل التي على رأسه والتي من أجلها يجب أن نُجاهِد ونُصارِع، لأنَّ مَنْ يهزِم الشيطان ويُحطِم رُؤوسه السبعة سينال سبعة أكاليل الفضيلة، بعد أن يكون قد اجتاز جِهادات وصِراعات العِفة السبعة العظيمة، لأنَّ الترف وعدم ضبط النَّفْس هُما أحد رُؤوس التنين، من يُحطمها ينال إكليل الاعتدال، الجُبْن والضعف رأس آخر، مَنْ يُحطمه ينال إكليل الشِهادة، وهكذا...
ومِنْ سِفْر الرؤيا ينتقِل القديس إلى سِفْر اللاويين ليتحدَّث عن عيد المظال، وكيف أنَّ الله عندما وضع لإسرائيل الحقيقي الطقوس القانونية لهذا العيد، أوضح لهم، في سِفْر اللاويين، كيف يحفظون العيد ويُكرِّمونه، قائِلًا لهم أنه يجب على كلّ أحد، قبل وفوق كلّ شيء، أن يُزيِّن خيمته بالعِفة... ”وسأذكُر كلِمات الكِتاب المُقدس نفسه لكي يتضِح منها كم مرضية لله ومقبولة عنده هي البتولية“:
”أمَّا اليومُ الخامِس عشر من الشهر السَّابِع ففيهِ عندما تجمعون غلَّة الأرض تُعيِّدون عيدًا للرب سبعة أيامٍ. في اليوم الأوَّل عُطلة وفي اليوم الثَّامِن عُطلة. وتأخذون لأنفُسِكُم في اليوم الأوَّل ثمر أشجارٍ بهجةٍ وسعف النخل وأغصان أشجار غبياء وصفصاف الوادي و« شجرة العِفة» (لم تَرِدْ في نص الكِتاب المُقدس لكن القديس ميثوديوس هو الذي أضافها). وتفرحون أمام الرب إلهكُم سبعة أيامٍ. تُعيِّدونهُ عيدًا للرب سبعة أيامٍ في السنة فريضةً دهريةً في أجيالكُم. في الشهر السَّابِع تُعيِّدونهُ. في مظال تسكُنُون سبعة أيامٍ. كُلُّ الوطنيين في إسرائيل يسكُنُون في المظال. لكي تعلم أجيالُكُم أني في مظال أسكنتُ بني إسرائيل لمَّا أخرجتُهُم من أرضِ مصر. أنا الرب إلهُكُمْ “ (لا 23: 39-43).
فكلّ مَنْ يشتاق إلى حُضور عيد المظال لِيُحصى مع القديسين، عليه أولًا أن يُجاهِد ويحصُل على ثِمار الإيمان الصَّالِحة المُبهِجة ثم سعف النخل الذي هو التأمُّل الصَّاحي الواعي في الكِتاب المُقدس ودِراسته، وبعد ذلك أغصان المحبة المُنتشرة الكثيفة الأوراق التي يأمُرنا الله أن نأخُذها بعد أغصان النخيل، مُشبِهًا المحبة بأغصان كثيفة لأنها ملآنة كلّها وقريبة ومُثمِرة جدًا وليس فيها شيء عارِ أو فارِغ بل كلّها ملآن: الأغصان والجِذع، وبالمِثل لا يوجد في المحبة أي شيء فارِغ أو عقيم لأنه ”إن كانت لي نُبُوَّة وأعلمُ جميع الأسرار وكُلَّ عِلْمٍ وإن كان لي كُلُّ الإيمان حتَّى أنقُل الجِبال ولكن ليس لي محبَّة فلستُ شيئًا. وإن أطعمتُ كُلَّ أموالي وإن سلَّمتُ جسدي حتَّى أحترق ولكن ليس لي محبَّة فلا أنتفِعُ شيئًا“ (1كو 13: 2-3) لذا المحبة هي أكبر الأشجار وأكثرها ثمرًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tb766gw