وبعد يعقوب السروجي جاء يوحنَّا الدِمشقي ليكتُب مقالته (اعتمدنا في عرضنا لمقالة يوحنَّا الدِمشقي هنا على الترجمة العربية لها والواردة في كِتاب ”المِئة مقالة في الإيمان الأُرثوذُكسي ليوحنَّا الدِمشقي“ – تعريب الأرشمندريت أدريانوس شكُّور – منشورات المكتبة البوليسية – الطبعة الأولى 1984م – ص 268: 270.) والتي يرُد فيها على هؤلاء الذين يرفضون البتولية مُستشهدين بما كُتِبْ في (تث 25: 9) ”ملعون كلّ مَنْ لم يًقِمْ نسلًا في إسرائيل“، ويرُد عليهم بأنَّ الله الكلمة تجسَّد من عذراء بتول، والبتولية في طبيعة البشر لأنَّ الله جَبَلْ الإنسان من أرض بتول، وخلق حواء من آدم وحده، وكان كلاهما يحيان في بتولية في الفِردوس، والكِتاب المُقدس يقول أنَّ آدم وحواء كانا عُريانين وهما لا يخجلان (تك 25) ولمَّا تجاوزا الوصية علما أنهما عُريانان ولخجلهِما خاطا لهما مآزِر، وبعد المعصية، لمَّا سمع آدم القول الإلهي: ”أنت تُراب وإلى التُراب تعود“ (تك 3: 19) ودخل الموت إلى العالم، حينذاك عرف آدم حواء امرأته فحملت وولدت، ولكي لا ينقرِض جِنْس البشر بالموت، بدأ الزواج ليستمر جِنْس البشر في الوجود بولادة الأولاد.
ويُواجِه الكاتِب اعتراضًا آخر، ذلك أنَّ البعض ربما يقولون: ”لماذا إذًا أرادهما الله ذكرًا وأُنثى (تك 1: 27) ولماذا قال لهما أنميا وأكثرا (تك 1: 28)“ ويُجيب على هذا التساؤُل شارِحًا أنَّ عبارة ”أنمِيا واكثِرا“ لا تدُل حتمًا على التكثير بواسطة العلاقة الزوجية، لأنَّ الله كان قادِرًا على إكثار الجِنْس بطريقة أخرى لو أنهما حفظا وصيته حتّى النهاية، ويرى يوحنَّا الدِمشقي أنَّ الله إذ كان يعلم بسابِق معرفته -وهو العالم بكلّ الأمور قبل أن تكون- أنهما سوف يسقُطان في المعصية وأنه سوف يُحكم عليهِما بالموت لذلك سبق فخلقهُما ذكرًا وأُنثى وأمرهُما أن ينميا ويُكثِرا.
ثم يُورِد أمثلة كِتابية عن عظمة العِفة والبتولية، فإيليا قائِد المركبة النَّارية عبر السماء كان بتولًا، وأعظم شاهد على ذلك هو ارتقاؤه إلى السماء، ويتساءل الدِمشقي ”مَنْ أغلق السموات؟ مَنْ أقام الموتى؟ مَنْ فلق نهر الأُردُن؟ أليس إيليا البتول؟ وأليشع تلميذه، ألَمْ يُظهِر فضيلة مُساوية لفضيلته عندما سأل فأُعطِيَ نِعمة روحه ضِعفين؟“
ويُورِد أيضًا مِثال الفِتية الثَّلاثة الذين تدرَّبوا على البتولية فانتصروا على النار، لأنَّ أجسادهم صارت مع البتولية بعيدة عن النار، وكذلك دانيال المُتقوي بالبتولية، لم تقرُبه أنياب الوحوش، والله نفسه كان إذا سيتراءى للإسرائيليين يأمرهم أن يحفظوا الجسد نقيًا طاهرًا، وكان الكهنة يتعففون قبل ذهابهم للخدمة وتقديم الذبائِح.
وشرح أنَّ البتولية سيرة الملائكة، ويستدرِك ليوضح أنَّ هذا ليس احتقارًا للزواج لأنَّ الرب في حضوره العُرس بارك الزواج، ولأنه مكتوب ”ليكُن الزواج مُكرَّمًا عند كلّ واحد والمضجع غير نجسٍ“ ( عب 13: 4). (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولكن البتولية أحسن مِمّا هو حَسَنْ، فالفضائِل درجات ومراتِب، ويشرح بأسلوب حكيم: ”نعلم أنَّ البشر جميعًا ثمرة الزواج عدا أبوينا الأولين اللذينِ هما جَبَلِة البتولية لا الزواج، لكن، كما قُلنا، طالما أنَّ عدم الزواج هو شِبْه بالملائِكة، إذًا البتولية هي أكرم وأسمَى من الزواج بقدر ما يسمو الملاك عن الإنسان“.
ويُعلِن يوحنَّا الدِمشقي أنَّ المسيح نفسه فخر البتولية علَّم عن البتولية بولادتِهِ من بتول، فحقَّق في نفسه البتولية الحقيقية الكاملة، ومِنْ ثمَّ لم يُوصِنا بها وهو القائِل: ”ليس الجميع يقبلون هذا الكلام“ (مت 19: 11) بل علَّمنا إيَّاها بعمله ومنحنا القُوَّة في سبيلها، ”ومَنْ ذا الذي لا يرى البتولية مُعاشة اليوم بين البشر؟“.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bq42qnj